الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين  أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين  ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون  وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين  

وليمحص الله الذين آمنوا بالبلاء ليرى صبرهم، ويمحق الكافرين [ ص: 194 ] ، يعني ويذهب دعوة الكافرين الشرك، يعني المنافقين، فيبين نفاقهم وكفرهم، ثم بين للمؤمنين أنه نازل بهم الشدة والبلاء في ذات الله عز وجل، فقال: أم حسبتم يعني أحسبتم، وذلك أن المنافقين قالوا للمؤمنين يوم أحد بعد الهزيمة: لم تقتلون أنفسكم، وتهلكون أموالكم، فإن محمدا لو كان نبيا لم يسلط عليه القتل؟ قال المؤمنون: بلى، من قتل منا دخل الجنة، فقال المنافقون: لم تمنون أنفسكم بالباطل؟ فأنزل الله تعالى: أم حسبتم معشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله  ، يعني ولما يرى الله الذين جاهدوا منكم في سبيل الله "و" لما ويعلم ، يعني يرى الصابرين عند البلاء، وليمحص، أي يقول: إذا جاهدوا وصبروا رأى ذلك منهم، وإذا لم يفعلوا لم ير ذلك منهم.

ولقد كنتم تمنون الموت ، وذلك حين أخبر الله عز وجل عن قتلى بدر، وما هم فيه من الخير، قالوا: يا نبي الله، أرنا يوما كيوم بدر، فأراهم الله عز وجل يوم أحد، فانهزموا فعاتبهم الله عز وجل، فقال سبحانه: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه ، يعني القتال من قبل أن يلقوه، فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ، وقالوا يومئذ: إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل، فقال بشر بن النضر الأنصاري ، وهو عم أنس بن مالك: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قتل، فإن رب محمد حي، أفلا تقاتلون على ما قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلقوا الله عز وجل.

ثم قال النضر: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شد عليهم بسيفه فقتل منهم من قتل، وقال المنافقون يومئذ: ارجعوا إلى إخوانكم فاستأمنوهم، فارجعوا إلى دينكم الأول، فقال النضر عند قول المنافقين تلك المقالة، فأنزل الله عز وجل: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، يقول: وهل محمد، عليه السلام، لو قتل إلا كمن قتل قبله من الأنبياء، أفإن مات محمد أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، يعني رجعتم إلى دينكم الأول الشرك، ثم قال: ومن ينقلب على عقبيه ، يقول: ومن يرجع إلى الشرك بعد الإيمان، فلن يضر الله شيئا بارتداده من الإيمان إلى الشرك، إنما يضر بذلك نفسه، وسيجزي الله الشاكرين [ ص: 195 ] ، يعني الموحدين لله في الآخرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية