الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا  ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما  وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا  ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما  وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما  

ولله ما في السماوات وما في الأرض من الخلق عبيده، وفي ملكه، وكان الله بكل شيء محيطا ، يعني أحاط علمه، ويستفتونك في النساء نزلت في سويد ، وعرفطة ابني الحارث ، وعيينة بن حصن الفزاري ،  وذلك أنه لما فرض الله عز وجل لأم كحة وبناتها الميراث انطلق سويد ، وعرفطة ، وعيينة بن حصن الفزاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المرأة لا تركب فرسا ولا تجاهد، وليس عند الولدان الصغار منفعة في شيء، فأنزل الله عز وجل فيهم: ويستفتونك ، يعني يسألونك عن النساء، يعني سويدا وصاحبيه، قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ، يعني ما بين من القسمة في أول هذه السورة، قال: ويفتيكم في يتامى النساء ، يعني بنات أم كحة اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ، يعني ما فرض لهن من أنصبائهن من الميراث في أول السورة.

ثم قال عز وجل: وترغبون أن تنكحوهن ، يعني بنات أم كحة، وكان الرجل [ ص: 261 ] يكون في حجره اليتيمة ولها مال، ويكون فيها موق، فيرغب عن تزويجها، ويمنعها من الأزواج من أجل ما لها رجاء أن تموت فيرثها، فذلك قوله عز وجل: وترغبون أن تنكحوهن لدمامتهن، "و" يفتيكم في والمستضعفين من الولدان أن تعطوهم حقوقهم، وكانوا لا يورثونهم "و" يفتيكم وأن تقوموا لليتامى في الميراث بالقسط ، يعني بالعدل، وما تفعلوا من خير مما أمرتم به من قسمة المواريث، فإن الله كان به عليما فيجزيكم به.

وإن امرأة ، واسمها خويلة بنت محمد بن مسلمة خافت ، يعني علمت من بعلها نشوزا ، يعني زوجها، أو إعراضا عنها لما بها من العلة إلى الأخرى، نزلت في رافع بن خديج الأنصاري وفي امرأته خويلة بنت محمد بن مسلمة الأنصاري، وذلك أن رافعا طلقها ثم راجعها وتزوج عليها أشب منها، وكان يأتي الشابة ما لا يأتي الكبيرة، يقول: فلا جناح عليهما الزوج والمرأة الكبيرة أن يصلحا بينهما صلحا أن ترضى المرأة الكبيرة بما له، على أن يأتي الشابة ما لا يأتي الكبيرة، يقول: فلا بأس بذلك في القسمة، فذلك قوله عز وجل: والصلح خير من المفارقة، وأحضرت الأنفس الشح ، يعني الحرص على المال، يعني الكبيرة يرضيها الزوج من بعض ماله، فتحرص على المال وتدع نصيبها من زوجها، وإن تحسنوا الفعل فلا تفارقها، وتتقوا الميل والجور، فإن الله كان بما تعملون خبيرا في أمرهن من الإحسان والجور.

ثم قال عز وجل: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في الحب أن يستوي حبهن في قلوبكم، ولو حرصتم ، فلا تقدرون على ذلك، فلا تميلوا كل الميل إلى التي تحب، وهي الشابة، فتذروها كالمعلقة ، أي فتأتيها وتذر الأخرى، يعني الكبيرة كالمعلقة، لا أيم ولا ذات بعل، ولكن اعدلوا في القسمة، وإن تصلحوا أمرهن وتتقوا الميل والجور، فإن الله كان غفورا حين ملت إلى الشابة برضى الكبيرة، رحيما بك حين رخص لك في الصلح، فإن أبت الكبيرة الصلح إلا أن تسوي بينها وبين الشابة أو تطلقها كان ذلك لها.

ثم إنه طلقها، فنزلت: وإن يتفرقا ، يعني رافع وخويلة المرأة الكبيرة، يغن الله كلا ، يعني الزوج والكبيرة، من سعته ، يعني من فضله الواسع، وكان الله واسعا [ ص: 262 ] لهما في الرزق جميعا، حكيما حين حكم فرقتهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية