وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون
ثم خوفهم، فقال: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ، يعني بأنه لم يخلقهما باطلا لغير شيء، ولكن خلقهما لأمر هو كائن، ويوم يقول الله للبعث مرة واحدة: كن فيكون ، لا يثني الرب القول مرتين، قوله في البعث الحق ، يعني الصدق، وأنه كائن، وله الملك يوم ينفخ ، أي ينفخ إسرافيل، في الصور عالم الغيب ، يعلم غيب ما كان وما يكون، ثم قال: والشهادة ، يعني شاهد كل نجوى وكل شيء، وهو الحكيم ، يعني حكم البعث، الخبير بالبعث متى يبعثهم.
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ، اسمه بكلام قومه: تارح: [ ص: 355 ] أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ، وولد إبراهيم بكوتي، وذلك أن الكهنة قالوا لنمروذ الجبار: إنه يولد في هذه السنة غلام يفسد آلهة أهل الأرض، ويدعو إلى غير آلهتكم، ويكون هلاك ملكك وهلاك أهل بيتك بسببه، فقال نمروذ: إن دواء هذا لهين، نعزل الرجال عن النساء، ونعمد إلى كل غلام يولد في هذه السنة فنقتله إلى أن تنقضي السنة، فقالوا: إن فعلت ذلك، وإلا كان الذي قلنا لك.
فعمد نمروذ، فجعل على كل عشرة رجال رجلا، وقال لهم: إذا طهرت المرأة فحولوا بينها وبين زوجها إلى أن تحيض، ثم يرجع إلى امرأته إلى أن تطهر، ثم يحال بينهما، فرجع آزر إلى امرأته، فجامعها على طهر فحملت، قالت الكهنة: قد حمل به الليلة، قال نمروذ: انظروا إلى كل امرأة استبان حملها، فخلوا سبيلها، وانظروا بقيتهن، فلما دنا مخاض أم إبراهيم، عليه السلام، دنت إلى نهر يابس، فولدت فيه، ثم لفته في خرقة، فوضعته في حلفا، ثم رجعت إلى بيتها، فأخبرت زوجها بمكانه، فعمد أبوه فحفر له سربا في الأرض، ثم جعله فيه وسد عليه بصخرة مخافة السباع، فكانت أمه تختلف إليه وترضعه حتى فطمته وعقل، وكان ينبت في اليوم نبات شهر، وفي الشهر نبات سنة، وفي السنة نبات سنتين، فقال لأمه: من ربي؟ قالت: أنا، قال: من ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبي؟ فضربته، وقالت له: اسكت فسكت الصبي.
ورجعت إلى زوجها، فقالت: أرأيت الغلام الذي كنا نخبر أنه يغير دين أهل الأرض؟ فهو ابنك، وأخبرته الخبر، فأتاه أبوه وهو في السرب، فقال: يا أبت، من ربي؟ قال: أمك، قال: فمن رب أمي؟ قال: أنا، قال: فمن ربك؟ فضربه، وقال له: اسكت، وكذلك ، يعني هكذا، نري إبراهيم ملكوت ، يعني خلق السماوات والأرض ، وما بينهما من الآيات، وليكون إبراهيم من الموقنين بالرب أنه واحد لا شريك له.
وذلك إبراهيم سأل ربه أن يريه ملكوت السماوات والأرض، فأمر الله جبريل، عليه السلام، فرفعه إلى الملكوت ينظر إلى أعمال العباد، فرأى رجلا على معصية، فقال: يا رب، ما أقبح ما يأتي هذا العبد، اللهم اخسف به، ورأى آخر فأعاد الكلام، قال: فأمر الله أن جبريل، عليه السلام، أن يرده إلى الأرض، فأوحى الله إليه: مهلا يا إبراهيم، فلا [ ص: 356 ] تدع على عبادي، فإني من عبادي على إحدى خصلتين: إما أن يتوب إلي قبل موته فأتوب عليه، وإما أن يموت فيدع خلفا صالحا فيستغفر لأبيه فأغفر لهما بدعائه.
فلما جن عليه الليل ، دنا من باب السرب، وذلك في آخر الشهر، فرأى الزهرة أول الليل من خلال السرب ومن وراء الصخرة، والزهرة أحسن الكواكب، رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل ، يعني غاب، قال إبراهيم: لا أحب الآفلين ، يعني الغائبين الذاهبين، وربي لا يذهب ولا يغيب.
فلما كان آخر الليل، رأى القمر بازغا ، يعني طالعا أعظم وأضوأ من الكواكب، قال هذا ربي ، وهو ينظر إليه، فلما أفل ، يعني غاب، قال لئن لم يهدني ربي لدينه لأكونن من القوم الضالين عن الهدى.
فلما رأى الشمس بازغة ، يعني طالعة في أول ما رآها ملأت كل شيء ضوءا، قال هذا ربي هذا أكبر ، يعني أعظم من الزهرة والقمر، فلما أفلت ، يعني غابت، عرف أن الذي خلق هذه الأشياء دائم باق، ورفع الصخرة، ثم خرج فرأى قومه يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد ما ترى، قال يا قوم ، عبادة رب واحد خير من عبادة أرباب كثيرة، و إني بريء مما تشركون بالله من الآلهة، قالوا: فمن تعبد يا إبراهيم ؟ قال: أعبد الله الذي خلق السماوات والأرض حنيفا، يعني مخلصا لعبادته، وما أنا من المشركين، وذلك قوله: إني وجهت وجهي ، يعني ديني للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ، يعني مخلصا، وما أنا من المشركين .
ثم إن نمروذ بن كنعان الجبار خاصم إبراهيم، فقال: من ربك؟ قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، وهو قوله: وحاجه قومه ، فعمد نمروذ إلى إنسان فقتله، وجاء بآخر فتركه، فقال: أنا أحييت هذا وأمت ذلك، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، يعني نمروذ ، قوله: وحاجه قومه ، وذلك أنهم لما سمعوا إبراهيم، عليه السلام، عاب آلهتهم وبرئ منها، قالوا لإبراهيم: إن لم تؤمن بآلهتنا، فإنا نخاف أن تخبلك وتفسدك فتهلك، فذلك قوله: وحاجه قومه ، يعني وخاصمه قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان لدينه، ولا أخاف ما تشركون به ، يعني بالله من الآلهة، وهي لا تسمع ولا تبصر شيئا، ولا تنفع ولا تضر، [ ص: 357 ] وتنحتونها بأيديكم، إلا أن يشاء ربي شيئا ، فيضلني عن الهدى، فأخاف آلهتكم أن تصيبني بسوء، وسع ، يعني ملأ ربي كل شيء علما ، فعلمه، أفلا ، يعني فهلا تتذكرون فتعتبرون.
ثم قال لهم وكيف أخاف ما أشركتم بالله من الآلهة ولا تخافون أنتم بـ أنكم أشركتم بالله غيره ما لم ينزل به عليكم سلطانا ، يعني كتابا فيه حجتكم بأن معه شريكا، ثم قال لهم فأي الفريقين أحق بالأمن ، أنا أو أنتم؟ إن كنتم تعلمون من عبد إلها واحدا أحق بالأمن أم من عبد أربابا شتى، يعني آلهة صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، فكيف لا يخاف من الكبير إذا سوي بالصغير؟ وكيف لا يخاف من الذكر إذا سوي بالأنثى؟ أخبروني أي الفريقين أحق بالأمن من الشر إن كنتم تعلمون.