وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين
[ ص: 396 ] وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، يقول: الرياح نشرا للسحاب. كقوله: يرسل الرياح فتثير سحابا ، يسير السحاب قدام الرياح، حتى إذا أقلت ، يعني إذا حملت الريح سحابا ثقالا من الماء، سقناه لبلد ميت ، ليس فيه نبات، فأنزلنا به الماء فأخرجنا به بالماء من الأرض، من كل الثمرات كذلك ، يعني هكذا، نخرج ، يخرج الله الموتى من الأرض بالماء، كما أخرج النبات من الأرض بالماء، لعلكم ، يعني لكي تذكرون فتعتبروا في البعث أنه كائن، نظيرها في الروم والملائكة.
ثم ضرب مثلا للمؤمنين والكفار، فقال: والبلد الطيب ، يعني الأرض العذبة إذا مطرت، يخرج نباته بإذن ربه ، فينتفع به كما ينفع المطر البلد الطيب فينبت، ثم ذكر الكافر، فقال: والذي خبث من البلد، يعني من الأرض السبخة أصابها المطر، فلم ينبت، لا يخرج إلا نكدا ، يعني إلا عسرا رقيقا ييبس مكانه، فلم ينتفع به، فهكذا الكافر يسمع الإيمان ولا ينطق به ولا ينفعه، كما لا ينفع هذا النبات الذي يخرج رقيقا فييبس مكانه، كذلك ، يعني هكذا نصرف الآيات في أمور شتى لما ذكره في هاتين الآيتين، لقوم يشكرون ، يعني يوحدون ربهم.
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ، يعني وحدوا الله، ما لكم من إله غيره ، يقول: ليس لكم رب غيره، فإن لم تعبدوه، إني أخاف عليكم في الدنيا عذاب يوم عظيم لشدته.
[ ص: 397 ] قال الملأ من قومه ، وهم القادة والكبراء لنوح: إنا لنراك في ضلال مبين .
قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين إليكم.
أبلغكم رسالات ربي في نزول العذاب بكم في الدنيا، وأنصح لكم فيها وأحذركم من عذابه في الدنيا، وأعلم من الله في نزول العذاب بكم، ما لا تعلمون أنتم.
وذلك أن قوم نوح لم يسمعوا بقوم قط عذبوا، وقد سمعت الأمم بعدهم بنزول العذاب على قوم نوح، ألا ترى أن هودا قال لقومه: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ، وقال صالح لقومه: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد هلاك عاد ، وحذر شعيب قومه، فقال: أن يصيبكم من العذاب مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ، فمن ثم قال نوح لقومه: أعلم ما لا تعلمون.
فقال بعضهم لبعض، الكبراء للضعفاء: ما هذا إلا بشر مثلكم، أفتتبعونه؟ فرد عليهم نوح: أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم ، يعني بيان من ربكم، على رجل منكم ، يعني نفسه، لينذركم العذاب في الدنيا، ولتتقوا الشرك وتوحدوا ربكم، ولعلكم ، يعني لكي ترحمون ، فلا تعذبوا.
فكذبوه في العذاب أنه ليس بنازل بنا، يقول الله: فأنجيناه ، يعني نوحا، والذين معه من المؤمنين، في الفلك، يعني السفينة من الغرق برحمة منا، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ، يعني نزول العذاب، إنهم كانوا قوما عمين ، عموا عن نزول العذاب بهم، وهو الغرق.