الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدموا المدينة: "لا تجالسوهم، ولا تكلموهم" ، ثم قال: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، يعني سنن ما أنزل الله على رسوله في كتابه، يقول: هم أقل فهما بالسنن من غيرهم، والله عليم حكيم . ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق في سبيل الله مغرما لا يحتسبها، كأن نفقته غرم يغرمها، ويتربص بكم الدوائر ، يعني يتربص بمحمد الموت، يقول: يموت فنستريح منه ولا نعطيه أموالنا، ثم قال: عليهم بمقالتهم دائرة السوء ، نزلت في أعراب مزينة، والله سميع لمقالتهم، عليم بها. ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ، يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له، واليوم الآخر ، يعني يصدق بالتوحيد وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، ويتخذ ما ينفق في سبيل الله قربات عند الله وصلوات الرسول ، [ ص: 68 ] يعني واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم، ويتخذ النفقة والاستغفار قربات، يعني زلفى عند الله، فيها تقديم يقول: ألا إنها قربة لهم عند الله، ثم أخبر بثوابهم، فقال: سيدخلهم الله في رحمته ، يعني جنته، إن الله غفور لذنوبهم، رحيم بهم، نزلت في مقرن المزني ، ثم قال: والسابقون إلى الإسلام، الأولون من المهاجرين والأنصار الذين صلوا إلى القبلتين، ، عليه السلام، وعشرة نفر من أهل علي بن أبي طالب بدر والذين اتبعوهم على دينهم الإسلام، بإحسان رضي الله عنهم بالطاعة، ورضوا عنه بالثواب، وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار ، يعني بساتين تجري تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا لا يموتون، ذلك الثواب الفوز العظيم . وممن حولكم من الأعراب منافقون ، يعني جهينة، ومزينة، وأسلم، وغفارا، وأشجع، كانت منازلهم حول المدينة وهم منافقون، ثم قال: ومن أهل المدينة منافقون، مردوا على النفاق ، يعني حذقوا، منهم: عبد الله بن أبي ، وجد بن قيس ، والجلاس ، ومعتب بن قشير ، ووحوج بن الأسلت ، وأبو عامر بن النعمان الراهب ، الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة ، لا تعلمهم يا محمد، نحن نعلمهم ، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعرف نفاقهم، نحن نعرف نفاقهم، سنعذبهم مرتين عند الموت تضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وفي القبر منكر ونكير، ثم يردون إلى عذاب عظيم ، يعني عذاب جهنم.
وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ، يعني غزاة قبل غزاة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر سيئا تخلفهم عن غزاة تبوك، نزلت في أبي لبابة، اسمه مروان بن عبد [ ص: 69 ] المنذر ، وأوس بن حزام ، ووديعة بن ثعلبة ، كلهم من الأنصار، وذلك حين بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل راجعا من غزاة تبوك، وبلغهم ما أنزل الله عز وجل في المتخلفين، أوثقوا أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلى سواري المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزاة صلى في المسجد ركعتين قبل أن يدخل إلى أهله، وإذا خرج إلى غزاة صلى ركعتين، فلما رآهم موثقين، سأل عنهم، قيل: هذا وأصحابه، ندموا على التخلف، وأقسموا ألا يحلوا أنفسهم حتى يحلهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا أحلف لا أطلق عنهم حتى أومر، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله عز وجل"، فأنزل الله في أبو لبابة أبي لبابة وأصحابه: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ، يعني غزوتهم قبل ذلك، وآخر سيئا ، يعني تخلفهم بغير إذن، عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور لتخلفهم، رحيم بهم.
قال العسى من الله واجب، فلما نزلت هذه الآية حلهم النبي، عليه السلام، فرجعوا إلى منازلهم، ثم جاءوا بأموالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه أموالنا التي تخلفنا من أجلها عنك، فتصدق بها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها، فأنزل الله: مقاتل: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم من تخلفهم، وتزكيهم ، يعني وتصلحهم بها وصل عليهم ، يعني واستغفر لهم، إن صلاتك سكن لهم ، يعني إن استغفارك لهم سكن لقلوبهم وطمأنينة لهم، والله سميع لقولهم: خذ أموالنا فتصدق بها، عليم بما قالوا.
ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ ، يعني ويقبل الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أموالهم التي جاءوا بها الثلث، وترك الثلثين؛ لأن الله عز وجل، قال: خذ من أموالهم ، ولم يقل: خذ أموالهم، فلذلك لم يأخذها كلها، فتصدق بها عنهم.
[ ص: 70 ]