الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون  ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين  وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون  هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين  فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون  

[ ص: 87 ] وما كان الناس في زمان آدم، عليه السلام، إلا أمة واحدة ، يعني ملة واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان، ثم اتخذوها بعد ذلك، فذلك قوله: فاختلفوا بعد الإيمان، ولولا كلمة سبقت من ربك قبل الغضب، لأخذناهم عند كل ذنب، فذلك قوله: لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ، يعني في اختلافهم بعد الإيمان.

ويقولون لولا ، يعني هلا أنزل عليه آية من ربه مما سألوا، يعني في بني إسرائيل، وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، يعني لن نصدقك حتى تخرج لنا نهرا، فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم ومن رءوس الجبال، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة، جنة من نخيل ، إلى قوله: كسفا ، حين قال: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ، يعني قطعا، أو تأتي بالله عيانا فننظر إليه، والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف ، يعني من ذهب، أو ترقى في السماء ، يعني أو تضع سلما فتصعد إلى السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، يقول: ولسنا نصدقك، حتى تأتي بأربعة أملاك، يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة، وهذا قول عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة.

فأنزل الله في قوله: أو تأتي بالله عيانا فننظر إليه: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ، إذ قالوا: أرنا الله جهرة ، وأنزل الله فيها: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ، لقوله: كتابا نقرؤه وأنزل الله وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون لأني إذا أرسلت إلى قوم آية، ثم كذبوا، لم [ ص: 88 ] أناظرهم بالعذاب، وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا، ثم لم أناظرهم بالعذاب قال: "يا رب لا" رقة لقومه لعلهم يتقون.

ثم قال: فقل إنما الغيب لله ، وهو قوله: إنما يأتيكم به الله إن شاء فانتظروا بي الموت، إني معكم من المنتظرين بكم العذاب القتل ببدر.

وإذا أذقنا الناس ، يعني آتينا الناس، يعني كفار مكة، رحمة ، يعني المطر، من بعد ضراء ، يعني القحط وذهاب الثمار، مستهم يعني المجاعة سبع سنين، إذا لهم مكر في آياتنا ، يعني تكذيبا، يقول: إذ لهم قول في التكذيب بالقرآن تكذيبا واستهزاء، قل الله أسرع مكرا ، يعني الله أشد إخزاء، إن رسلنا من الحفظة يكتبون ما تمكرون ، يعني ما تعلمون.

هو الذي يسيركم في البر على ظهور الدواب والإبل، ويهديكم لمسالك الطرق والسبل، "و" يحملكم في والبحر في السفن في الماء، ويدلكم فيه بالنجوم، حتى إذا كنتم في الفلك ، يعني في السفن، وجرين بهم ، يعني بأهلها، بريح طيبة ، يعني غير عاصف، ولا قاصف، ولا بطيئة، وفرحوا بها جاءتها يعني السفينة، ريح عاصف قاصف، يعني غير لين، يعني ريحا شديدة، وجاءهم الموج من كل مكان ، يعني من بين أيديهم، ومن خلفهم، ومن فوقهم، وظنوا يعني وأيقنوا أنهم أحيط بهم ، يعني أنهم مهلكون، يعني مغرقون، دعوا الله مخلصين له الدين ، وضلت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله، فذلك قوله: وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ، لئن أنجيتنا من هذه المرة لنكونن من الشاكرين ، لا ندعو معك غيرك.

فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض ، يعني يعبدون مع الله غيره، بغير الحق ، إذ عبدوا مع الله غيره، يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ضرره في الآخرة، متاع الحياة الدنيا ، تمتعون فيها قليلا إلى منتهى آجالكم، ثم إلينا مرجعكم في الآخرة، فننبئكم بما كنتم تعملون [ ص: 89 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية