الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا  واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا  وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا  

واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ، يقول: أخبر كفار مكة الذين سألوا عن أصحاب الكهف  بما أوحينا إليك من أمرهم، لا تنقص ولا تزيد، لا مبدل لكلماته ، يقول: لا تحويل لقوله؛ لأن قوله تعالى ذكره حق، ثم حذر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إن زاد أو نقص، ثم قال سبحانه: ولن تجد من دونه ملتحدا ، يعني مدخلا، يقول: لا تقل في أصحاب الكهف إلا ما قد قيل لك، فإن فعلت فإنك لن تجد من دون الله عز وجل ملجأ تلجأ إليه ليمنعك منا.

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ، يعني يعبدون ربهم، يعني بالصلاة له، بالغداة والعشي طرفي النهار، يريدون وجهه ، يعني يبتغون بصلاتهم وصومهم وجه ربهم، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، نزلت في عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري ، وذلك أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الموالي وفقراء العرب، منهم: بلال بن رباح المؤذن ، وعمار بن ياسر ، وصهيب بن سنان ، وخباب بن الأرت ، وعامر بن فهيرة ، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب ، وهو أول شهيد قتل يوم بدر،  رضي الله عنهم، وأيمن ابن أم أيمن ، ومن العرب أبو هريرة الدوسي ، وعبد الله بن مسعود الهذلي ، وغيرهم، وكان على بعضهم شملة قد عرق فيها.

فقال عيينة بن حصن للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لنا شرفا وحسبا، فإذا دخلنا عليك فاعرف لنا [ ص: 287 ] ذلك، فأخرج هذا وضرباءه عنا، فوالله إنه ليؤذينا ريحه، يعني جبته آنفا، فإذا خرجنا من عندك فأذن لهم إن بدا لك أن يدخلوا عليك، فاجعل لنا مجلسا ولهم مجلس، فأنزل الله عز وجل ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، يعني القرآن، واتبع هواه ، يعني وآثر هواه، وكان أمره الذي يذكر من شرفه وحسبه، فرطا ، يعني ضائعا في القيامة، مثل قوله: ما فرطنا في الكتاب من شيء ، يعني ما ضيعنا.

وقل الحق من ربكم ، يعني القرآن، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، هذا وعيد، نظيرها في حم السجدة: اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ، يعني من شاء فليصدق بالقرآن، ومن شاء فليكفر بما فيه، ثم ذكر مصير الكافر والمؤمن، فقال: إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ، وذلك أنه يخرج عنق من النار فيحيط بهم، فذلك السرادق، ثم قال سبحانه: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ، يقول: أسود غليظ كدردي الزيت، يشوي الوجوه ، وذلك أنه إذا دنا من فيه اشتوى وجهه من شدة حر الشراب، ثم قال سبحانه: بئس الشراب وساءت مرتفقا ، يقول: وبئس المنزل.

التالي السابق


الخدمات العلمية