واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا
واضرب لهم ، يعني وصف لهم، يعني لأهل مكة ، مثلا ، يعني شبها رجلين ، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا ، والآخر كافر، واسمه فرطس ، وهما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فعمد المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين، وعمد الكافر فاتخذ المنازل، والحيوان، والبساتين، فذلك قوله سبحانه: جعلنا لأحدهما ، يعني الكافر، جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا . كلتا الجنتين آتت أكلها ، يعني أعطت ثمراتها كلها، ولم تظلم منه شيئا ، يعني ولم تنقص من الثمر شيئا، يعني جعله وافرا، نظيرها في البقرة: وما ظلمونا ، يعني وما نقصونا، وفجرنا خلالهما نهرا ، يعني أجرينا النهر وسط الجنتين.
وكان له ثمر ، يقول: وكان للكافر مال من الذهب والفضة، وغيرها من أصناف الأموال، فلما افتقر المؤمن، أتى أخاه الكافر متعرضا لمعروفه، فقال له المؤمن: إني أخوك، [ ص: 289 ] وهو ضامر البطن، رث الثياب، والكافر ظاهر الدم، غليظ الرقبة، جيد المركب والكسوة، فقال الكافر للمؤمن: إن كنت كما تزعم أنك أخي، فأين مالك الذي ورثت من أبيك ؟ قال: أقرضته إلهي الملي الوفي، فقدمته لنفسي ولولدي، فقال: وإنك لتصدق أن الله يرد دين العباد، هيهات هيهات، ضيعت نفسك، وأهلكت مالك، فذلك قوله سبحانه: فقال الكافر لصاحبه ، وهو المؤمن، وهو يحاوره ، يعني يراجعه، يقول: أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ، يعني وأكثر ولدا.
ودخل الكافر جنته ، وهو بستانه، وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ، يعني ما أحسب أن تبيد ، يعني أن تهلك، هذه الجنة أبدا . قال: وما أظن الساعة قائمة ، يعني القيامة كائنة كما تقول، ولئن رددت إلى ربي في الآخرة، لأجدن خيرا منها ، يعني أفضل منها، من جنتي، منقلبا ، يعني مرجعا.
فرد عليه، قال له صاحبه المؤمن، وهو يحاوره ، يعني يراجعه: أكفرت بالذي خلقك من تراب ، يعني آدم، عليه السلام؛ لأن أول خلقه التراب، ثم قال: ثم من نطفة ثم سواك ، يعني خلقك فجعلك رجلا . لكنا أقول: هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ثم قال للكافر: ولولا ، يعني هلا، إذ دخلت جنتك ، يعني بستانك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، يعني فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حول مني ولا قوة، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه، إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا . فعسى ربي أن يؤتين خيرا ، يعني أفضل، من جنتك ويرسل عليها ، يعني على جنتك، حسبانا ، يعني عذابا، من السماء فتصبح جنتك، صعيدا ، يعني مستويا ليس فيه شيء، زلقا ، يعني أملسا .
أو يصبح ماؤها غورا ، يعني يغور في الأرض فيذهب، فلن تستطيع له طلبا ، يقول: فلن تقدر على الماء، ثم افترقا، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل [ ص: 290 ] عذابا من السماء، فاحترقت، وغار ماؤها بقوله: و ما أظن أن تبيد هذه أبدا ، وما أظن الساعة قائمة .
وأحيط بثمره الهلاك، فلما أصبح ورأى جنته هالكة، ضرب بكفه على الأخرى؛ ندامة على ما أنفق فيها، فذلك قوله سبحانه: فأصبح يقلب كفيه ، يعني يصفق بكفيه ندامة، على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ، يقول: ساقطة من فوقها، ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا . يقول الله تعالى: ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ، يعني جندا يمنعونه من عذاب الله الذي نزل بجنته، وما كان منتصرا يعني ممتنعا.
هنالك الولاية ، يعني السلطان، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره، مثل قوله عز وجل: والأمر يومئذ لله ، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز وجل، والأمر أيضا في الدنيا، لكن جعل في الدنيا ملوكا يأمرون، ومن قرأها بفتح الواو جعلها من الموالاة، هنالك الولاية لله ، يعني البعث الذي كفر به فرطس ، لله الحق وحده لا يملكه أحد، ولا ينازعه أحد، هو خير ثوابا ، يعني أفضل ثوابا، وخير عقبا ، يعني أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي جعل مرجعه إلى النار.