فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا
ثم خرجا من السفينة على بحر أيلة، فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما سداسيا، فقتله الخضر بحجر أسود، واسم الغلام: حسين بن كازري ، واسم أمه: سهوي، فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره، فـ قال للخضر : أقتلت نفسا زكية ، يعني لا ذنب لها، ولم يجب عليها القتل، بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا . يقول أتيت أمرا فظيعا، قال يوشع لموسى: اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك.
قال الخضر لموسى، عليهما السلام: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، [ ص: 298 ] وإنما قال: ألم أقل لك لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله: إنك لن تستطيع معي صبرا ، على ما ترى من العجائب.
قال موسى إن سألتك عن شيء بعدها ، يعني بعد قتل النفس، فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ، يقول: لقد أبلغت في العذر إلي.
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها الطعام، تسمى القرية: باجروان، ويقال: أنطاكية. قال قال مقاتل: هي القرية، قتادة: فأبوا أن يضيفوهما ، يعني أن يطعموهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ، كانوا بلوا الطين، فأقامه الخضر جديدا فسواه، قال موسى : عمدت إلى قوم لم يطعمونا ولم يضيفونا، فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر، يعني بغير طعام ولا شيء، لو شئت لاتخذت عليه أجرا ، أي: لو شئت أعطيت عليه شيئا.
قال الخضر : هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ، يعني بعاقبة، ما لم تستطع عليه صبرا ، كقوله سبحانه: يوم يأتي تأويله ، يعني عاقبته.
ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها ، يعني أن أخرقها، وكان وراءهم ملك ، يعني أمامهم، كقوله سبحانه ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ، واسم الملك: متوله بن جلندي الأزدي ، يأخذ كل سفينة صالحة صحيحة سوية، غصبا ، كقوله سبحانه: فلما آتاهما صالحا ، يعني سويا، يعني غصبا من أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلما، وهم لا يضرهم خرقها.
وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين ، وكان الغلام كافرا، يقطع الطريق، ويحدث الحدث، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه، ويحلفان بالله ما فعله، وهم يحسبون أنه بريء من الشر، قال الخضر : فخشينا ، يعني فعلمنا، كقوله سبحانه: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ، يعني علمت، وكقوله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما ، يعني علمتم، أن يرهقهما ، يعني يغشيهما، طغيانا ، [ ص: 299 ] يعني ظلما، وكفرا ، وفي قراءة فخاف ربك، يعني فعلم ربك. أبي بن كعب:
فأردنا أن يبدلهما ربهما ، يعني لأبويه لقتل الغلام، والعرب تسمي الغلام غلاما، ما لم تسو لحيته، فأردنا أن يبدلهما ربهما، يعني يبدل والديه، خيرا منه زكاة ، يعني عملا، وأقرب رحما ، يعني وأحسن منه برا بوالده، وكان في شرف وعده، وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله عز وجل أبدلهما غلاما مكان المقتول، ولو عاش المقتول لهلكا في سببه ".
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ، يعني في قرية تسمى: باجروان، ويقال: هي أنطاكية، وكان تحته كنز لهما ، حدثنا عبيد الله قال: حدثنا أبي، عن ، عن مقاتل الضحاك ، ومجاهد ، قال: صحفا فيها العلم، ويقال: المال، وكان أبوهما صالحا ، يعني ذا أمانة، اسم الأب: كاشح ، واسم الأم: دهنا، واسم أحد الغلامين: أصرم ، والآخر صريم ، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما ، والأشد ثماني عشرة سنة، رحمة من ربك ، يقول: نعمة من ربك للغلامين، وما فعلته ، وما فعلت هذا، عن أمري ، ولكن الله أمرني به، ذلك تأويل ، يعني عاقبة، ما لم تسطع عليه صبرا ، يعني هذا عاقبة ما رأيت من العجائب، نظيرها: هل ينظرون إلا تأويله ، يعني عاقبة ما ذكر الله تعالى في القرآن من الوعيد.