ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير
[ ص: 71 ] ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ، يحكم فيهما ما يشاء، ويأمر بأمر، ثم يأمر بغيره، ثم قال سبحانه: وما لكم من دون الله من ولي ، يعني قريب ينفعكم، ولا نصير ، يعني ولا مانع يمنعكم من الله لقولهم: إن القرآن ليس من الله، وإنما تقوله محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، نظيرها في براءة قوله سبحانه: وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير ، وقال عز وجل في النحل: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون أنك لن تقول إلا ما قيل لك.
أم تريدون أن تسألوا رسولكم ، يعني يقول: تريدون أن تسألوا محمدا أن يريكم ربكم جهرة، كما سئل موسى من قبل محمد، يعني كما قالت بنو إسرائيل لموسى: أرنا الله جهرة ، ومن يتبدل ، يعني من يشتر الكفر بالإيمان ، يعني اليهود، فقد ضل سواء السبيل ، يعني قد أخطأ قصد طريق الهدى، كقوله سبحانه في القصص: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ، يعني قصد الطريق.
ود كثير من أهل الكتاب ، وذلك أن نفرا من اليهود، منهم: فنحاص ، وزيد بن قيس ، بعد قتال أحد، دعوا ، حذيفة وعمارا إلى دينهم، وقالوا لهما: إنكما لن تصيبا خيرا للذي أصابهم يوم أحد من البلاء، وقالوا لهما: ديننا أفضل من دينكم، ونحن أهدى منكم سبيلا، قال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال عمار: فإني عهدت ربي أن لا أكفر بمحمد أبدا، ولا أتبع دينا غير دينه، فقالت اليهود: أما عمار ، فقد ضل وصبأ عن الهدى بعد إذ بصره الله، فكيف أنت يا ألا تبايعنا؟ قال حذيفة؟ الله ربي، حذيفة: ومحمد نبيي، والقرآن إمامي، أطيع ربي، وأقتدي برسولي، وأعمل بكتاب الله ربي حتى يأتيني اليقين على الإسلام، والله السلام ومنه السلام، فقالوا: وإله موسى، لقد أشربت قلوبكم حب محمد، فقال عمار: ربي أحمده، وربي أكرم محمدا، ومنه اشتق الجلالة، إن محمدا أحمد هو محمد.
[ ص: 72 ] ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: " ما رددتما عليهما؟ "، فقالا: قلنا: الله ربنا، ومحمد رسولنا، والقرآن إمامنا، الله نطيع، وبمحمد نقتدي، وبكتاب الله نعمل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أصبتما أخا الخير، وأفلحتما "، فأنزل الله عز وجل يحذر المؤمنين: ود كثير من أهل الكتاب ، لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق في التوراة أن محمدا نبي، ودينه الإسلام، ثم قال سبحانه: فاعفوا واصفحوا ، يقول: اتركوهم واصفحوا، يقول: وأعرضوا عن اليهود، حتى يأتي الله بأمره ، بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، فأتى الله عز وجل بأمره في أهل قريظة القتل والسبي، وفي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي إن الله على كل شيء قدير ، من القتل والجلاء قدير.