الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واتل عليهم نبأ إبراهيم  إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون  قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين  قال هل يسمعونكم إذ تدعون  أو ينفعونكم أو يضرون  قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين  الذي خلقني فهو يهدين  والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين  والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين  رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين  واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم  واغفر لأبي إنه كان من الضالين  ولا تخزني يوم يبعثون  يوم لا ينفع مال ولا بنون  إلا من أتى الله بقلب سليم  

واتل عليهم على أهل مكة نبأ يعني حديث إبراهيم إذ قال لأبيه آزر وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما من ذهب وفضة، وحديد، ونحاس، وخشب، فنظل لها عاكفين يقول: فنقيم عليها عاكفين، وهي اثنان وسبعون قال إبراهيم، عليه السلام: هل يسمعونكم إذ تدعون يقول: هل تجيبكم الأصنام إذا دعوتموهم، أو ينفعونكم في شيء إذا عبدتموها، أو يضرون يضرونكم بشيء إن لم تعبدوها؛ فردوا على إبراهيم .

قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون يعني هكذا يعبدون الأصنام قال إبراهيم : أفرأيتم ما كنتم تعبدون من الأصنام أنتم وآباؤكم الأقدمون ، فإنهم عدو لي أنا بريء مما تعبدون، ثم استثنى إبراهيم عليه السلام مما يعبدون رب العالمين جل جلاله، وعبادتهم الله، لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو ربهم الذي خلقهم قوله: إلا رب العالمين مما تعبدون، فإني لا أتبرأ منه، وإقرارهم بالله عز وجل أنه خلقهم، وهو ربهم وهم عباده.

ثم ذكر إبراهيم، عليه السلام، نعم رب العالمين تعالى، فقال: الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني إذا جعت ويسقين إذا [ ص: 455 ] عطشت، وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني في الدنيا ثم يحيين بعد الموت في الآخرة، والذي أطمع يعني أرجو أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين يعني يوم الحساب، يقول: أنا أعبد الذي يفعل هذا بي، ولا أعبد غيره، وخطيئة إبراهيم ثلاث كذبات،  حين قال عن سارة: هذه أختي، وحين قال: إني سقيم، وحين قال: بل فعله كبيرهم هذا، إحداهن لنفسه، واثنتان لله، عز وجل، ربه تعالى ذكره.

فقال: رب هب لي حكما يعني الفهم والعلم وألحقني بالصالحين يعني الأنبياء عليهم السلام، واجعل لي لسان صدق في الآخرين يعني ثناء حسنا يقال: من بعدي في الناس، فأعطاه الله عز وجل ذلك، فكل أهل دين يقولون: إبراهيم، عليه السلام، ويثنون عليه، ثم قال: واجعلني من ورثة جنة النعيم يقول: اجعلني ممن يرث الجنة.

واغفر لأبي إنه كان من الضالين يعني من المشركين، ولا تخزني يعني لا تعذبني يوم يبعثون يعني يوم تبعث الخلق بعد الموت.

ثم نعت إبراهيم، عليه السلام، ذلك اليوم، فقال: يوم لا ينفع مال ولا بنون من العذاب من بعد الموت، إلا من أتى الله في الآخرة بقلب سليم من الشرك مخلصا لله عز وجل بالتوحيد، فينفعه يوم البعث ماله وولده.

التالي السابق


الخدمات العلمية