الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين  قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين  قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم  قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين  

[ ص: 477 ] ثم قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين يعني مخلصين بالتوحيد، وإنما علم سليمان أنها تسلم، لأنه أوحي إليه بذلك، فذلك قال: قبل أن يأتوني مسلمين فيحرم علي سريرها، لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمه،  وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر، مستور بالحرير والديباج، عليه الحجلة.

قال عفريت من الجن يعني مارد من الجن اسمه: الحقيق ، أنا آتيك به يعني سريرها قبل أن تقوم من مقامك يعني من مجلسك، وكان سليمان ، عليه السلام، يجلس للناس غدوة فيقضي بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك، وذلك أني أضع قدمي عند منتهى بصري فليس شيء أسرع مني، فآتيك بالعرش، وأنت في مجلسك، وإني عليه يعني على حمل السرير لقوي على حمله أمين على ما في السرير من المال.

قال سليمان أريد أسرع من ذلك: قال الذي عنده علم من الكتاب وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم،  وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال أنا آتيك به بالسرير قبل أن يرتد إليك طرفك الذي هو على منتهى بصرك، وهو جاء إليك، فقال سليمان : لقد أسرعت إن فعلت ذلك، فدعا الرجل باسم الله الأعظم، ومنه ذو الجلال والإكرام، فاحتمل السرير احتمالا فوضع بين يدي سليمان ، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد، وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد، ومعها مفاتيح الأبيات السبعة، فلما رآه فلما رأى سليمان العرش مستقرا عنده تعجب منه فـ قال هذا السرير من فضل ربي أعطانيه ليبلوني يقول ليختبرني أأشكر الله عز وجل في نعمة حين أتيت العرش أم أكفر بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم مني، فعزم الله عز وجل له على الشكر.

فقال عز وجل: ومن شكر في نعمة فإنما يشكر لنفسه يقول: فإنما يعمل [ ص: 478 ] لنفسه ومن كفر النعم فإن ربي غني عن عبادة خلقه كريم مثلها في لقمان: فإن الله غني حميد . قال سليمان : نكروا لها عرشها زيدوا في السرير، وأنقصوا منه، ننظر إذا جاءت أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون يقول: أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون ؟ فلما جاءت المرأة قيل لها أهكذا عرشك فأجابتهم فـ قالت كأنه هو وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: هذا عرشك ؟ لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب ؟ يقول سليمان : وأوتينا العلم من الله عز وجل من قبلها يعني من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره، وكنا مسلمين يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها.

وصدها عن الإسلام ما كانت تعبد من دون الله من عبادة الشمس إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك، فلما رأته حسبته لجة يعني غدير الماء وكشفت عن ساقيها يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان ، وهو على السرير في مقدم البيت، وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن: لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا، وكانت أمها جنية، فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان ، نقول: إن رجليها مثل حوافر الدواب، لأن أمها كانت جنية، ففعلت، فأمر سليمان فبنى لها بيتا من قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء فتكشف عن رجليها فينظر سليمان أصدقته الجن أم كذبته، وجعل سريره في مقدم البيت، فلما رأت الصرح حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها، فنظر إليها سليمان ، فإذا هي من أحسن الناس قدمين، ورأى على ساقها شعرا كثيرا فكره سليمان ذلك، فقالت: إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها، قال سليمان : ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم، فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها، قالت الجن: لا تكشفي عن ساقيك قال إنه صرح ممرد يعني أملس من قوارير فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان ، وأن ملكه من ملك الله عز وجل.

فـ قالت حين دخلت الصرح رب إني ظلمت نفسي يعني بعبادتها الشمس [ ص: 479 ] وأسلمت يعني أخلصت مع سليمان بالتوحيد لله رب العالمين خرت لله عز وجل ساجدة، وتابت إلى الله عز وجل من شركها.

واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه، فولدت له داود بن سليمان ، عليهم السلام، وأمر لها بقرية من الشام يجيء لها خراجها، وكانت عذرا فاتخذت الحمامات من أجلها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كانت من أحسن نساء العالمين ساقين، وهي من أزواج سليمان في الجنة "، فقالت عائشة، رضي الله عنها، للنبي صلى الله عليه وسلم: هي أحسن ساقين مني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت أحسن ساقين في الجنة ".

التالي السابق


الخدمات العلمية