وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، وذلك أن رءوس اليهود كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وأبا ياسر بن أخطب ، ومالك بن الضيف ، وعازارا ، وإشماويل ، وخميشا ، ونصارى نجران السيد ، والعاقب ومن معهما، قالوا للمؤمنين: كونوا على ديننا، فإنه ليس دين إلا ديننا، فكذبهم الله تعالى، فقال: قل بل الدين ملة إبراهيم ، يعني الإسلام، ثم قال: حنيفا ، يعني مخلصا، وما كان من المشركين ، يعني من اليهود والنصارى.
ثم أمر الله عز وجل المؤمنين، فقال: قولوا آمنا بالله بأنه واحد لا شريك له، وما أنزل إلينا ، يعني قرآن محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، [ ص: 81 ] وهم بنو يعقوب يوسف وإخوته، فنزل على هؤلاء صحف إبراهيم، قال: وما أوتي موسى ، يعني التوراة، (وما أوتي وعيسى ، يعني الإنجيل، يقول: ما أنزل على موسى وعيسى وصدقنا، وما أوتي النبيون من ربهم ، داود وسليمان الزبور، وأوتي لا نفرق بين أحد منهم ، فنؤمن ببعض النبيين ونكفر ببعض، كفعل أهل الكتاب، ونحن له مسلمون ، يعني مخلصون، نظيرها في آل عمران.
يقول الله سبحانه: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ، يقول: فإن صدق أهل الكتاب بالذي صدقتم به يا معشر المسلمين من الإيمان بجميع الأنبياء والكتب، فقد اهتدوا من الضلالة، وإن تولوا ، أي وإن كفروا بالنبيين وجميع الكتب، فإنما هم في شقاق ، يعني في ضلال واختلاف، نظيرها: وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ، يعني لفي ضلال واختلاف; لأن اليهود كفروا بعيسى ومحمد، صلى الله عليهما وسلم، وبما جاءا به، وكفرت النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى، فقال: " إن الله عز وجل أمرني أن أوصي بهذه الآية، فإن أنتم آمنتم، يعني صدقتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والكتاب، فقد اهتديتم، وإن توليتم وأبيتم عن الإيمان، فإنما أنتم في شقاق ".
فلما سمعت اليهود ذكر عيسى صلى الله عليه وسلم ، قالوا: لا نؤمن بعيسى، وقالت النصارى: وعيسى بمنزلتهم مع الأنبياء، ولكنه ولد الله، يقول: إن أبوا أن يؤمنوا بمثل ما آمنتم به، فسيكفيكهم الله يا محمد، يعني أهل الكتاب، ففعل الله عز وجل ذلك، فقتل أهل قريظة، وأجلى بني النضير من المدينة إلى الشام، وهو السميع العليم ، لقولهم للمؤمنين: كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، ثم قال: العليم بما قالوا: قل لهم: صبغة الله التي صبغ الناس عليها، ومن أحسن من الله صبغة ، يعني الإسلام; لقولهم للمؤمنين: اتبعوا ديننا، فإنه ليس دين إلا ديننا، يقول الله عز وجل: دين الله، ومن أحسن من الله دينا؟ يعني الإسلام، ونحن له عابدون ، يعني موحدون.
قل أتحاجوننا في الله ، يقول: أتخاصموننا في الله، وهو ربنا وربكم ، فقال لهم: ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ، يقول: لنا ديننا [ ص: 82 ] ولكم دينكم، يعني أن يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران قالوا للمؤمنين: إن أنبياء الله كانوا منا من بني إسرائيل، فكانوا على ديننا، فأنزل الله عز وجل يكذبهم: أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإنما سموا الأسباط; لأنه ولد لكل واحد منهم أمة من الناس، كانوا هودا أو نصارى قل لهم يا محمد: أأنتم أعلم بدينهم أم الله ، ثم قال عز وجل: ومن أظلم ، يقول: فلا أحد أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ، فكتموا تلك الشهادة التي عندهم، وذلك أن محمد في التوراة والإنجيل، وكتموا تلك الشهادة التي عندهم، وذلك قوله: الله عز وجل بين أمر وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ، يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم .
فلما قالوا: إن إبراهيم وبنيه، ويعقوب وبنيه كانوا على ديننا، قال الله تعالى: تلك أمة ، يعني عصبة، يعني إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه، قد خلت ، يعني قد مضت، لها ما كسبت ، يعني من العمل، يعني من الدين، ولكم معشر اليهود والنصارى، ما كسبتم من العمل، يعني من الدين، ولا تسألون عما كانوا يعملون أولئك.