الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد  أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير  ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير  يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور  فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين  

ولقد آتينا داوود أعطينا داود منا فضلا النبوة كقوله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم في سورة النساء : وكان فضل الله عليك عظيما ، يعني النبوة والكتاب ، فذلك قوله عز وجل ولقد آتينا داوود منا فضلا النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه ، فقال عز وجل : يا جبال أوبي معه سبحي معه مع داود ، عليه السلام ، يقول : اذكري الرب مع داود ، وهو التسبيح ، ثم قال عز وجل : (و) سخرنا له والطير وألنا له الحديد فكان داود ، عليه السلام ، يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار ، فيتخذها دروعا طوالا.

فذلك قوله عز وجل : أن اعمل سابغات الدروع الطوال ، وكانت الدروع قبل داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة ، فكان داود ، عليه السلام ، يشد الدروع بمسامير ما يقرعها بحديد ولا يدخلها النار ، فيقرع من الدروع في بعض النهار ، وبعض الليل ، بيده ثمن ألف درهم ، قال لداود : وقدر في السرد يقول : قدر المسامير في الخلق ولا تعظم المسامير فتنقصم ، ولا تضفر المسامير فتسلس ، ثم قال الله عز وجل لآل داود : واعملوا صالحا يعني قولوا : الحمد لله إني بما تعملون بصير . ثم ذكر ابنه سليمان ، عليهما السلام ، وما أعطاه الله عز وجل من الخير والكرامة ، [ ص: 61 ] فقال عز وجل : (و) سخرنا ولسليمان الريح غدوها شهر يعني مسيرة شهر فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى إصطخر وتروح بهما ذا بلستان ورواحها شهر يعني مسيرة فتحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيرا من فوقهم ، ولا ورقة من تحتهم ، ولا تثير ترابا ، ثم قال جل وعز : وأسلنا له عين القطر يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر ثلاثة أيام تجيء مجرى الماء بأرض اليمن ومن الجن من يعمل وسخرنا لسليمان من الجن من يعمل بين يديه بين يدي سليمان بإذن ربه يعني رب سليمان عز وجل ومن يزغ منهم ومن يعدل منهم عن أمرنا عن أمر سليمان ، عليه السلام ، نذقه من عذاب السعير الوقود في الدنيا ، كان ملك بيده سوط من نار من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير.

يعملون له ما يشاء يعني الجن لسليمان من محاريب المساجد وتماثيل من نحاس ورخام من الأرض المقدسة وإصطخر من غير أن يعبدها أحد ، ثم قال جل وعز : وجفان كالجواب وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم يجلس على كل قصعة واحدة ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان وقدور عظام لها قوائم لا تتحرك راسيات ثابتات تتخذ من الجبال ، والقدور وعين الصفر بأرض اليمن ، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل ، ثم قال جل وعز : اعملوا آل داوود شكرا بما أعطيتهم من الخير ، يقول الرب عز وجل : وقليل من عبادي الشكور . فلما قضينا عليه على سليمان الموت وذلك أن سليمان ، عليه السلام ، كان دخل في السن وهو في بيت المقدس ما دلهم ما دل الجن على موته على موت سليمان إلا دابة الأرض يعني الأرضة ، وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببيت المقدس ، وكان داود أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى ، عليه السلام ، فمات قبل أن يبنى فبناه سليمان بالصخر والقار ، فلما حضره الموت قال لأهله : لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بناء بيت المقدس ، وكان قد بقي منه عمل سنة ، فلما حضره الموت ، وهو متكئ على عصاه ، وقد أوصى أن يكتم موته ، وقال : لا تبكوا علي سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت المقدس ، ففعلوا ، فلما بنوا سنة ، وفرغوا من بنائه سلط الله عز وجل عليه الأرضة عند رأس الحول على أسفل عصاه ، فأكلته ، فذلك قوله : تأكل منسأته أسفل العصا فخر [ ص: 62 ] عند ذلك سليمان ميتا ، فرأته الجن ، فتفرقت ، فذلك قوله عز وجل : فلما خر سليمان تبينت الجن يعني تبينت الإنس أن لو كانوا الجن يعلمون الغيب يعني غيب موت سليمان ما لبثوا حولا في العذاب المهين والشقاء والنصب في بيت المقدس ، وإنما سموا الجن؛ لأنهم استخفوا من الإنس ، فلم يروهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية