الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا  واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا  وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا  إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا  أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 57 ] لا مبدل لكلماته لا يغير في الآخرة بخلاف ما قال في الدنيا ولن تجد من دونه ملتحدا قال قتادة : يعني [موئلا] قال : ملتحدا ؛ أي : نصيرا ؛ يقال : لحدت وألحدت بمعنى : عدلت .

                                                                                                                                                                                                                                      واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي قال قتادة : هما الصلاتان : صلاة الفجر ، وصلاة العصر ، وبعدهما فرضت الصلوات قبل خروج النبي من مكة إلى المدينة بسنة ولا تعد عيناك عنهم محقرة لهم تريد زينة الحياة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : ومعنى (لا تعد) : لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : نزلت في سلمان الفارسي وصهيب وخباب بن الأرت وسالم مولى أبي حذيفة قال المشركون للنبي عليه السلام : إن أردت أن نجالسك فاطرد عنا هؤلاء القوم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 58 ] يحيى : عن أشعث ، عن يعلى بن عطاء ، عن (عمرو) بن عاصم ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لذكر الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله  ومن إعطاء المال سحا " .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى عن الربيع بن صبيح ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : " لأن أجالس أقواما يذكرون الله بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس أحب إلي من كل ما تطلع عليه الشمس ،  ولأن أجالس أقواما يذكرون الله بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس أحب إلي من ] أن [ أعتق ثمانية من ولد إسماعيل " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 59 ] قوله : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه يعني : شهوته وكان أمره فرطا يعني : تضييعا وقل الحق من ربكم قال قتادة : يعني : القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : المعنى : وقل الذي آتيتكم به الحق من ربكم . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر هذا وعيد ، أي : من آمن دخل الجنة ، ومن كفر دخل النار .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أحاط بهم سرادقها يعني : سورها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل تفسير زيد بن أسلم : كعكر الزيت .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : ما أذيب من الذهب والفضة ، والصفر والرصاص وما أشبه ذلك فهو عند أهل اللغة : مهل . يشوي الوجوه أي : يحرقها إذا أهوى ليشربه بئس الشراب وساءت مرتفقا أي : منزلا ومأوى ، وهذا وعيد لمن كفر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] قال محمد : (مرتفقا) منصوب على التمييز .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى قوله : يحلون فيها من أساور من ذهب .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى : عن ابن لهيعة أن رسول الله عليه السلام قال : " إن الرجل من أهل الجنة لو بدا إسواره لغلب على ضوء الشمس " .  

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سعيد بن المسيب : ليس من أهل الجنة أحد إلا وفي يده ثلاثة أسورة :  إسوار من ذهب ، وإسوار من فضة ، وإسوار من لؤلؤ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 61 ] ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق وهما نوعان من الحرير .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : قيل : إن السندس رقيق الديباج ، والإستبرق ثخينه . متكئين فيها على الأرائك تفسير ابن عباس : الأرائك : السرر عليها الحجال .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية