واعتل القائلون: لا صدقة في الخيل والرقيق بالأخبار التي ذكرناها قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صدقة في الخيل والرقيق" ، وبقوله: "قد عفونا لكم عن الخيل والرقيق".
[ ص: 957 ] قالوا: وغير جائز أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء لا صدقة فيه، فيقول قائل: فيه صدقة، لأنه لو جاز ذلك، جاز لآخر أن يقول فيما أوجب وفرض فيه الصدقة: لا صدقة فيه، قالوا: وذلك مما قد حظره الله تعالى ذكره على خلقه لقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .
قالوا: وفي حظر الله ذلك على خلقه وجوب فرض ما أمر، ونهى عليهم، ولزوم ما ألزمهم، وسقوط ما وضع عنهم، والتسليم في كل ذلك لأمره، والاتباع لحكمه.
قالوا: وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: . "ليس على المسلم في عبده، ولا فرسه صدقة"
قالوا: فلا صدقة في شيء من ذلك، إذا كان لغير تجارة، كثر ثمنه أو قل، كما لا صدقة في دار يشتريها للسكنى، أو للإجارة ما كان ثمنها، قليلا كان أو كثيرا.
قالوا: فإن قال لنا قائل: فإن ، عمر وعثمان رضي الله عنهما قد أخذا الصدقة من ذلك.
قلنا له: إنهما أخذا ما أخذا من ذلك على غير سبيل الصدقة، بل على أن أهلها أحبوا أن يخرجوا من أموالهم بعضها لأهل الحاجة والمسكنة، وفي السبل التي سبيل الله فيها الصدقات المفروضات، فسألوا إمامهم قبض ذلك منهم، وصرفه في السبل التي جعلوه فيها، إذ كان أقوم بذلك وأعرف بوجهه منهم، ففعل ذلك [ ص: 958 ]
قالوا: وذلك بين في الأخبار التي ذكرناها، وأنه على ما وصفنا قبض، قالوا: وبعد، ففي النقل المستفيض وتتابع أئمة المسلمين على تركهم توجيه السعاة والعمال على قبض صدقة الخيل والرقيق من أهلها، مع تركهم التواني في توجيه العمال والسعاة على قبض صدقة الإبل والبقر والغنم السائمة أوضح البيان أن سبيل الخيل، والرقيق بخلاف سبيل المواشي التي فيها الصدقة، وأن حكمها حكم سائر العروض التي لا صدقة فيها إذا لم تكن للتجارة.