الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              225 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال: أرسلت بنو قريظة إلى أبي سفيان ومن معه من الأحزاب يوم الخندق: أن اثبتوا، فإنا سنغير على بيضة المسلمين من ورائهم.

              فسمع ذلك نعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو موادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عند عيينة بن حصن حين أرسلت بذلك بنو قريظة إلى الأحزاب، فأقبل نعيم إلى رسول الله فأخبره خبر ما أرسلت به بنو قريظة إلى الأحزاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلعلنا نحن أمرناهم بذلك" ، فقام نعيم بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من عند رسول الله ليحدث بها غطفان، وكان نعيم رجلا لا يملك الحديث فلما ولى نعيم ذاهبا إلى غطفان ، قال عمر بن الخطاب: لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هذا الذي قلت إما هو من عند الله فأمضه، وإما هو رأي رأيته، فإن شأن بني قريظة هو أيسر من أن يقول شيئا يؤثر عليك فيه.

              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هذا رأي رأيته، إن الحرب خدعة" .

              ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثر نعيم فدعاه، فقال له رسول الله: "أرأيتك الذي سمعتني أذكر آنفا؟ اسكت عنه فلا تذكره لأحد" .

              فانصرف نعيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء عيينة بن حصن ومن معه من غطفان، فقال لهم: هل علمتم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قال: شيئا قط إلا حقا؟ قالوا: لا، قال: فإنه قد قال لي فيما أرسلت به إليكم بنو قريظة: "فلعلنا نحن أمرناهم بذلك" ، ثم نهاني أن أذكره لكم، فانطلق عيينة حتى لقي أبا سفيان بن حرب ، فأخبره بما أخبره نعيم عن رسول الله، فقال: إنما أنتم في مكر من بني [ ص: 138 ] قريظة.

              قال أبو سفيان: فنرسل إليهم نسألهم الرهن، فإن دفعوا إلينا رهنا منهم فصدقوا، وإن أبوا فنحن منهم في مكر.

              فجاءهم رسول أبي سفيان يسألهم الرهن ، فقال: إنكم أرسلتم إلينا تأمرون بالمكث ، وتزعمون أنكم ستخالفون محمدا، ومن معه، فإن كنتم صادقين فأرهنونا بذلك من أبنائكم، وصبحوهم غدا.

              قالت بنو قريظة: قد دخلت علينا ليلة السبت، ولسنا نقضي في ليلة السبت ولا في يومها أمرا، فأمهلوا حتى يذهب السبت.

              فرجع الرسول إلى أبي سفيان بذلك، فقال أبو سفيان: ورءوس الأحزاب معه: هذا مكر من بني قريظة، فارتحلوا.

              فبعث الله تبارك وتعالى عليهم الريح حتى ما كاد رجل منهم يهدي إلى رحله، فكانت تلك هزيمتهم "
              فبذلك يرخص الناس الخديعة في الحرب   .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية