ويسأل من حكم لما وذلك كرطل من ماء حل فيه نصف رطل من بول، فلم يغير له لونا، ولا طعما، ولا ريحا، فيقال له: أليس هو عندك طاهرا؟ فإن قال: لا، ترك في ذلك قوله، وقال فيه الحق، وإن قال: بلى، قيل له: فما قولك في الوضوء به، أليس جائزا؟ قضينا من الماء بالنجاسة بحلول ما فيه من النجاسة التي لم تغير له لونا، ولا طعما، ولا ريحا بالطهارة، إذا حلت فيه النجاسة،
فإن قال: لا، قيل له: وما شأنه لم يجز الوضوء به، وهو ماء طاهر عندك، وأي ماء طاهر وجدت لا يجوز الوضوء به؟ [ ص: 740 ] على أنه إن قال ذلك، ترك أصله ونقض بقوله ذلك قوله: ، لأنه كان عنده قبل حلول النجاسة طاهرا جائزا الوضوء به، وإذا أبى إجازة الوضوء به بعد حلول النجاسة فيه، ولم تكن النجاسة غيرته عن حاله الأولى التي كان بها قبل أن تحل فيه، فقد أبى إجازة الوضوء بالماء الطاهر، وذلك نقض قوله، وخروج من قول جميع أهل العلم. وإن قال: بل الوضوء به جائز. قيل له: أوليس القائم إلى صلاته من المؤمنين قد أمر بغسل أعضاء الوضوء بالماء إذا كان له واجدا، وكان قبل قيامه إليها محدثا حدثا يوجب عليه غسل ذلك؟ فإن قال: نعم. قيل له: فأخبرنا عن المتوضئ بالرطل من الماء الذي قد خالطه من النجاسة قدر ما ذكرت، أمتوضئ هو بالماء، أم بالماء والبول؟ . "الماء لا ينجسه شيء"
فإن قال: بالماء. قيل له: أوليس الماء كان رطلا فصار بالبول الذي حل فيه رطلا ونصفا، فهل الزيادة على الرطل من الماء إلا البول؟ . فإن قال: إن البول لما حل في الماء صار ماء طاهرا، قيل له: وما الذي أوجب مصيره ماء وهو قبل مصيره في الماء بول؟ وهل بينك وبين من خالفك في ذلك، فزعم أن النصف الرطل من البول قد حول بحلوله في الطاهر من الماء مقداره من الماء بولا، إذ كان أعيان الأشياء بامتزاجها يستحيل بعضها عن معناه إلى معنى ما مازجه، وأن الذي فيما مازجه [ ص: 741 ] البول من الرطل الماء نصف رطل، بمصير النصف الرطل الآخر بولا بامتزاج النصف الرطل من البول به فرق من أصل، أو نظير؟
فإن قال: الفرق بيني وبينه وجودي، غلبة طعم الماء، ولونه، وريحه على الذي حل فيه من البول بكثرة أجزائه، فعلمت بذلك أن البول هو الذي استحال ماء دون الماء، لأن الماء لو كان هو المستحيل بولا لكان طعم البول، ولونه، وريحه هو الغالب على الماء.
قيل له: فإن كان البول قد استحال ماء عندك، فقد ازدادت أجزاء الماء كثرة لا قلة، وصار الماء رطلا ونصفا.
فإن قال: الأمر كذلك. قيل له: فإن نحن ألقينا على جميع ذلك أوقية أخرى من البول، فتغير طعم الماء، ولونه، وريحه، فصار بلون البول وطعمه، وريحه، أترى الرطل والنصف من الماء الذي كان عندك ماء طاهرا، استحال جميعه بولا نجسا بقدر الأوقية من البول الذي حل فيه؟ فإن قال: ذلك كذلك، كفى خصمه مؤونته بإجابته إياه إلى ما لا يخفى على سامعه فساده، وجهل قائله، وإجازته استحالة الرطل والنصف الرطل من الماء الطاهر بالأوقية أو النصف الأوقية من البول يحل فيه، بولا نجسا مع زعمه أن الرطل من الماء الطاهر إذا حل فيه مثل نصفه بول، فلم يظهر للبول فيه طعم، ولا لون، ولا ريح، أنه قد استحال البول كله ماء طاهرا، وعدمت عين البول، وصار الماء الذي كان رطلا قبل حلول البول فيه، رطلا ونصف رطل بحلول النصف الرطل [ ص: 742 ] من البول فيه.
فلو كان الأمر كما زعم، كان استحالة الأوقية من البول في الرطل والنصف الرطل من الماء الطاهر ماء أولى وأحق من استحالة النصف الرطل من البول في الرطل من الماء الطاهر ماء، إلا عند من كابر عقله، وأضحك من نفسه خصومه. وإن قال: إذ وضح له فساد قوله في ذلك: بل المتوضئ بالماء الذي قد خالطته النجاسة المائعة، متوضئ بماء ونجاسة. قيل له: أفأمر القائم إلى الصلاة من المؤمنين بالوضوء بالماء أم بالماء والبول النجس؟
فإن قال: بالماء والبول النجس، كفى خصمه مؤونته.
وإن قال: بل أمر بالماء وحده، ترك قوله في ذلك، ودخل في قول من أنكر الوضوء بالماء الذي قد خالطته النجاسة.