فإن قال بعض من سألناه هذا السؤال ممن إن الذي ألزمتنا بهذا السؤال، لك لازم مثله في قولك: إن الماء إذا كان قلتين لم ينجسه إلا ما غير لونه، أو طعمه أو ريحه، فأحاله عن معنى الماء، لأنك تقول: إذا كان الماء قلتين من قلال هجر، فوقعت فيه نجاسة مائعة، لم تغير له طعما، ولا لونا، ولا ريحا، وإن كثرت أجزاء النجاسة فيه، فالوضوء به جائز، فلم تعمل في سؤالك إيانا في القليل من الماء إذا دخلت فيه نجاسة، وإلزامك إيانا ما ألزمتنا أكثر من أن نبهتنا على مطالبتك، وموضع العورة في مذهبك وقولك في الماء إذا كان قدر قلتين [ ص: 743 ] فخالطته نجاسة، ونحن نقلب عليك هذا السؤال بعينه، فنقول لك: أرأيت قدر القلتين من الماء الطاهر، بالقلال التي ذكرت، إن انصب فيه مثل ربعه من البول أو غيره من النجاسات، لم يتغير له طعم، ولا لون، ولا ريح، فتوضأ به متوضئ، أيجزيه وضوءه به؟ فإن قلت: لا، تركت قولك في ذلك وهدمت ما تبني فيه، وإن قلت: نعم، قيل لك: أخبرنا عنه، أتوضأ بماء وحده أم بماء وبول؟ وسألناك مثل سؤالك إيانا، فما أنت قائل لنا؟ وما المعنى الذي لزمنا من قولك؟ بل نلزمك مثله في قولك الذي خالفتنا به. قيل: لو كان الأمر في ما قلنا، كالذي ظننت، لكان سؤالنا عما سألناكم عنه ظلما، ولكن الأمر في ذلك بخلاف الذي ظننت، بل قولنا في ذلك: النجاسة المائعة، إذا خالطت ماء، فإن الماء لم تستحل عينه عما كان عليه من معنى الماء، غلب طعم النجاسة، ولونها عليه، وريحها عليه، أو لم يغلب عليه شيء من ذلك، ولا النجاسة استحالت عينها عما كانت عليه من معنى النجاسة إلى معنى الماء، ولكنهما عينان ممتزجتان، ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجازته التطهر بذلك، وكان الغالب عليه لون الماء وطعمه، دون طعم النجاسة، ولونها، وريحها، فقلنا بإجازته كما ورد الخبر به عنه. ولو كنا قلنا ما قلنا في ذلك استنباطا واستخراجا، كنا قد ساويناكم، ولكنا فصلنا منكم بأنا قلنا ما قلنا في ذلك اتباعا للوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأثر، وقلتم ما قلتموه استنباطا من النظر، فأريناكم عيب ما قلتم من جهة النظر لتعلموا فساده. زعم أن الماء لا ينجس وإن قل، بمخالطة النجاسة إياه، حتى يغلب عليه طعمها أو لونها، أو ريحها، فيستحيل عن معنى الماء:
فإن قال: إنا وإن كنا أيدنا قولنا بالنظر، فإن معنا أيضا من الأثر ما قد روينا عن وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ابن عباس [ ص: 744 ] قيل: قد بينا معنى ذلك، وأنه خبر مجمل قد فسرته الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك إذا كان قلتين، وأريناكم الشواهد على فساده من جهة النظر وأما الذين قالوا: ينجس الماء بما حل فيه من قليل النجاسة وكثيرها، وإن كان قدر قلتين من قلال هجر، إلا أن يكون الذي حل فيه قدر بركة عظيمة، إذا حرك أحد جوانبها، لم تتحرك الجوانب الأخرى بتحرك ما حرك منها، فيكون حينئذ بمعنى البطائح والبحر، فإنه يقال لهم: أخبرونا عن تنجيسكم الماء الذي هو أقل من قدر ما قلتم إنه لا يحتمل النجاسة بما حل فيه من قليل النجاسة وكثيرها، أبنص قلتم بتنجيسه أم القياس؟ "الماء لا ينجسه شيء"