الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              فإن قال: وما البرهان على صحة ما قلت، في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بنى أحدكم بناء، فليدعمه على حائط جاره"  ، أنه على وجه الإباحة والإطلاق، وأنه مع ذلك مضمن بشرط؟ فإجماع الجميع على أن الباني إن منعه جاره من حمل خشبة على حائطه أو أطلق ذلك له فلم يدعمه عليه أنه لا يحرج بذلك، وأنه إن دعمه عليه، وقد أذن له فيه، أنه غير مكتسب بذلك حمدا، ولا أجرا، كان معلوما بإجماعهم على ذلك، أنه خارج عن معنى الإيجاب، والإلزام من معنى الندب والإرشاد، لأن ما كان من أمر الله، وأمر رسوله فرضا، فالعامل به لله مطيع، والعامل بما هو لله طاعة مأجور، وأن العامل بما هو إليه مندوب، محمود على فعله مأجور، وإذ كان خارجا من هذين المعنيين، فهو بأن يكون من معنى الأمر، الذي هو بمعنى الحتم، والتكوين، أشد خروجا، وإذا صح خروجه من هذه المعاني، صح أنه لا وجه له يعقل إلا بأن يكون بمعنى الأمر الذي هو بمعنى الإباحة والإطلاق على ما وصفت. قيل: وأما البرهان على أنه مضمن بشرط، وهو إن أذن له جاره في ذلك أو إذا أذن له فيه، وذلك لقيام الحجة بأنه غير جائز لأحد الانتفاع بملك غيره بغير [ ص: 790 ] إذن مالكه، وغير طيب نفس صاحبه بانتفاعه، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله، في خطبته بمنى في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"  ، ولنقل الأمة وراثة عنه صلى الله عليه وسلم أنه حرم على الرجل الانتفاع بظهر دابة جاره، أو حمل عدل من متاع على بعير له، بغير إذنه له بذلك، وغير رضاه وطيب نفسه، فكذلك حمل خشبة على جداره، ودعم بنائه على حائطه.

              وأما البرهان على صحة ما ادعينا من التأويل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره" ، وأنه بمعنى الندب من النبي صلى الله عليه وسلم المرء المسلم إلى إرفاق جاره موضع خشبة له من جداره يضعها عليه، الخبر الوارد الذي ذكرناه عن أبي شريح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماذا يرجو الجار من جاره، إذا لم يرفقه بأطراف خشبة على جداره" ، فدل صلى الله عليه وسلم بذلك أن إرفاق الرجل جاره بحمل أطراف خشبته على جداره، من أخلاق الناس وجميل أفعالهم، لا أن ذلك حق واجب له عليه، يقضى له به عليه إن امتنع من إرفاقه به.

              فإن قال: فهل من برهان هو أصح من هذا؟ قيل له: البراهين على ذلك كثيرة، وفيما ذكرت مستغنى عن غيره، غير أنا نزيد فيه، وهو نقل الحجة وراثة عن نبيها صلى الله عليه وسلم، أنه لا يقضى لأحد في مال غيره بشيء لم يكن له عليه حق، وإيجاب من أوجب على الحاكم القضاء على [ ص: 791 ] الرجل بإرفاق جاره بمواضع أطراف خشبة من جداره، أحب ذلك المقضي ذلك عليه به أو سخطه، إيجاب القضاء على الحاكم بما هو غير حق له على المقضي بذلك عليه.

              فإن قال: وكيف تدعي على الحجة نقل ذلك وراثة عن نبيها صلى الله عليه وسلم وأنت : -

              التالي السابق


              الخدمات العلمية