الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              17 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بنحوه .

              فإن قال لنا : أو جائز في الحلف الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - [ ص: 30 ] بالوفاء به من حلف الجاهلية ، وقد علمت أن القوم إنما كانوا يتعاقدون بينهم على أن يرث بعضهم بعضا ، ويكون بعضهم عونا لبعض على من أرادوه بظلم أو أرادهم بذلك أن يوفي بشروطه التي كانوا تعاقدوه عليها في الجاهلية ؟ قيل : إن الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالوفاء به من ذلك هو ما لم يفسخه الإسلام ، ولم يبطله حكم القرآن ، وهو التعاون على الحق ، والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي .  

              فإن قال : فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم فما المعنى الذي خص به في الجاهلية حتى وجب من أجله الوفاء به ، ونهى عن مثله في الإسلام استئنافه ؟ وهل على مسلم من حرج في معاقدة إخوان له من أهل الإسلام على التناصر إن بغى أحدا منهم أحد بظلم أو قصده بسوء ؟ قيل : إن ذلك من معنى ما ذهب إليه بعيد .

              وإنما معنى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " ما كان من حلف في الجاهلية ، فتمسكوا به " إنما هو الحلف على النصرة من بعضهم لبعض في الحق ، وذلك ، وإن كان واجبا على كل مسلم لكل مسلم ، فإن على الحليف من ذلك لحليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظلم دون سائر الناس غيره ما يجب للقريب على قريبه ، والنسيب على نسيبه ، دون سائر الناس غيره .

              وإن نابته نائبة من عدو له قصده بظلم من الدفاع عنه ، فله من استصراخه عليه بما قد نهي عن استصراخ عشيرته وقبيلته بمثله ، وذلك أن الأخبار متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " من تعزى بعزاء الجاهلية ، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " .

              [ ص: 31 ] والتعزي بعزاء الجاهلية : هو أن ينادي من ركب بظلم : يال بني فلان كما قال الشاعر :

              فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا : يا ل كعب واعتزينا بعامر

              فنهى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المظلوم عن الاعتزاء بما ذكرنا وأمر من ظلم فاستصرخ على ظالمه أن يقول : يا لعباد الله ويا للمسلمين .

              ثم أطلق له من الاستصراخ بحليفه مما نهى عن الاستصراخ بمثله بنسيبه من قبيلته وعشيرته .

              فأجاز للرجل من أهل حلف الفضول أو غيره أن يقول : يا لحلف الفضول أو يا لحلف المطيبين وما أشبه ذلك .

              أوما تسمعه يقول في الخبر الذي ذكرت عن عبد الله بن طلحة التيمي : " ولو دعيت إليه اليوم في الإسلام لأجبت " ؟ أوما ترى الحسين بن علي قال للوليد بن عتبة : أقسم بالله لتنصفن لي من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ثم لأدعون بحلف الفضول ؟ [ ص: 32 ] فذلك هو الخصوص الذي خص به الحليف بالحلف الذي كان عقده في الجاهلية من حليفه دون سائر الناس غيره .

              فإن قال لنا قائل : هل وافق الزهري فيما روى من هذا الخبر ، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين "  أحد من أهل النقل في روايته ؟ .

              قيل : أما بإسناد متصل فلا نعلمه ، ولكن :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية