فإن قال لنا : أو جائز في الحلف الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - [ ص: 30 ] بالوفاء به من حلف الجاهلية ، وقد علمت أن القوم إنما كانوا يتعاقدون بينهم على أن يرث بعضهم بعضا ، ويكون بعضهم عونا لبعض على من أرادوه بظلم أو أرادهم بذلك أن يوفي بشروطه التي كانوا تعاقدوه عليها في الجاهلية ؟ قيل : إن الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالوفاء به من ذلك هو ما لم يفسخه الإسلام ، ولم يبطله حكم القرآن ، وهو التعاون على الحق ، والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي .
فإن قال : فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم فما المعنى الذي خص به في الجاهلية حتى وجب من أجله الوفاء به ، ونهى عن مثله في الإسلام استئنافه ؟ وهل على مسلم من حرج في معاقدة إخوان له من أهل الإسلام على التناصر إن بغى أحدا منهم أحد بظلم أو قصده بسوء ؟ قيل : إن ذلك من معنى ما ذهب إليه بعيد .
وإنما معنى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : إنما هو الحلف على النصرة من بعضهم لبعض في الحق ، وذلك ، وإن كان واجبا على كل مسلم لكل مسلم ، فإن على الحليف من ذلك لحليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظلم دون سائر الناس غيره ما يجب للقريب على قريبه ، والنسيب على نسيبه ، دون سائر الناس غيره . " ما كان من حلف في الجاهلية ، فتمسكوا به "
وإن نابته نائبة من عدو له قصده بظلم من الدفاع عنه ، فله من استصراخه عليه بما قد نهي عن استصراخ عشيرته وقبيلته بمثله ، وذلك أن الأخبار متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " من تعزى بعزاء الجاهلية ، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " .
[ ص: 31 ] والتعزي بعزاء الجاهلية : هو أن ينادي من ركب بظلم : يال بني فلان كما قال الشاعر :
فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا : يا ل كعب واعتزينا بعامر
فنهى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المظلوم عن الاعتزاء بما ذكرنا وأمر من ظلم فاستصرخ على ظالمه أن يقول : يا لعباد الله ويا للمسلمين .ثم أطلق له من الاستصراخ بحليفه مما نهى عن الاستصراخ بمثله بنسيبه من قبيلته وعشيرته .
فأجاز للرجل من أهل حلف الفضول أو غيره أن يقول : يا لحلف الفضول أو يا لحلف المطيبين وما أشبه ذلك .
أوما تسمعه يقول في الخبر الذي ذكرت عن عبد الله بن طلحة التيمي : أوما ترى " ولو دعيت إليه اليوم في الإسلام لأجبت " ؟ الحسين بن علي قال للوليد بن عتبة : أقسم بالله لتنصفن لي من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ثم لأدعون بحلف الفضول ؟ [ ص: 32 ] فذلك هو الخصوص الذي خص به الحليف بالحلف الذي كان عقده في الجاهلية من حليفه دون سائر الناس غيره .
فإن قال لنا قائل : هل وافق فيما روى من هذا الخبر ، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : الزهري شهدت مع عمومتي حلف المطيبين " أحد من أهل النقل في روايته ؟ . "
قيل : أما بإسناد متصل فلا نعلمه ، ولكن :