79 - وحدثنا ، قال : حدثنا أبو كريب حفص بن بشر ، قال : حدثنا حكيم بن نافع ، عن ، عن أبيه ، هشام بن عروة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " عائشة سجدتا السهو تجزئان من كل زيادة ونقصان " . عن
[ ص: 61 ] والصواب من القول عندنا في كل هذه الأخبار التي ذكرناها أنها صحاح ، وليس منها شيء مخالف غيره ، بل لكل ذلك وجه مفهوم ، ومعنى غير معنى ما سواه : فأما خبر ومن وافقه في روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أمره الشاك فيما صلى من عدد ركعات صلاته ; فإنه أمر منه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - له بالأخذ بالاحتياط ليكون على يقين من أنه لم يبق عليه من صلاته شيء إذا فعل ذلك ، لا إعلام منه أنه إن بنى على الأغلب عنده أنه قد صلى أو على ما يرى أنه قد قضى من صلاته أنها لا تجزئه حتى تلزمه إعادتها إن خرج منها ، وقد بنى على الأغلب عنده ، أو على ما يرى أنه قد صلى وسجد سجدتين ، فإن احتاط الشاك في ذلك فعمل بالذي روى عبد الرحمن بن عوف ، عبد الرحمن بن عوف وأبو سعيد ومن روى عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أمره إياه بالبناء على اليقين والسجود لسهوه بعد فراغه من صلاته ، فهو أحب إلينا وأفضل وعمل بالأحوط لدينه ، والأسلم .
وإن هو بنى على أكثر رأيه متحريا في ذلك الأغلب عليه في نفسه أنه قد صلى على ما روى ، ومن روى ذلك عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يكن مخطئا في فعله ; لأن كل مصل فإنما كلف أن يعمل فيها بما عنده من علمه بها في حالة عمله ، لا على إحاطة العلم بيقين ذلك . عبد الله بن مسعود
[ ص: 62 ] ولو كان مكلفا اليقين من العلم دون الظاهر ، لم يكن لأحد صلاة ; لأنه لا سبيل لأحد إلى الوصول إلى يقين العلم بذلك .
وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر عباده المؤمنين على لسان رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالصلاة في السترة الطاهرة ، ومتطهرين بالمياه الطاهرة ، إذا وجدوها .
وغير ذلك من الأمور التي يكثر عددها .
وعليهم في كل ذلك من أداء الواجب عليهم فيه ، مثل الذي عليهم من فرض عدد ركعات الصلاة ، ولا خلاف بين الجميع من سلف علماء الأمة وخلفها أنهم لم يكلفوا في شيء من ذلك إحاطة العلم بيقينه ، لا الماء الذي يطهر ، ولا الثياب التي يصلون فيها .
وأنهم إنما كلفوا العلم الظاهر عندهم في ذلك كله .
وكذلك القول في عدد الصلاة التي يكون فيها المصلي ، إنما كلف العلم الذي هو عنده ، فإن بنى على العلم الظاهر عنده أجزأه ، ولم يكن عليه غير ذلك .
وإن أخذ بالاحتياط فبنى على اليقين الذي لا شك فيه ، فهو أفضل إذا كان له السبيل إلى الوصول إلى يقين علم ذلك .
وإن لم يكن له السبيل إلى يقين علم ذلك لغلبة وسوسة الشيطان عليه ، مضى فيها على ما عنده في علمه كما على فيما عليه من السترة : هل هي طاهرة أم لا ؟ فإن كان له السبيل إلى معرفة ذلك بالإحاطة فعليه تعرف ذلك ، وإن لم يكن له السبيل إلى ذلك عمل بالأغلب عليه من ظاهر علمه فيه . من عرض له شك في صلاته
فكذلك القول في جميع أحكام الدين .
ومن أبى ذلك أو شيئا منه ، سئل عن القول في إلا علما ظاهرا ، لا على إحاطة يقين العلم بطهره ؟ وعن المصلي متوضئا بما لا يعلمه إلا كذلك ؟ فإن زعم أن عليه الإعادة ، خرج من قول جميع الأمة! [ ص: 63 ] وإن قال : صلاته ماضية . المصلي في موضع لا يعلمه طاهرا ولا نجسا ،
سئل الفرق بينه وبين الشاك في عدد صلاته الباني فيها على الأغلب من علمه عليه فيما صلى من عددها ؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله! وكذلك الباني على الأقل من رأيه ، إذا كان عنده أنه قد عمل فبنى عليه ، كالشاك منها في اثنتين أو ثلاث يبني على ثلاث ، وهو يرى أنه قد صلى ثلاثا ، غير أنه شاك في الثالثة : هل صلاها أم لا ؟ فإنه غير جائز أمره بإعادة صلاته إذ كنا لا نعلمه ضيع من صلاته شيئا .
وإن كان قد ترك الذي نختار له في ذلك إلى غير الذي نختاره له ، وسبيله سبيل في أنه إن قضى الركعة التي شك فيها ، كان أفضل له ، وأحوط لدينه . رجل شك بعدما سلم من صلاة واجبة عددها أربع ركعات فلم يدر أثلاثا صلاها أم أربعا ؟
وإن هو لم يقضها لم يجز لنا أن نأمره بإعادة صلاته ، ولا الشهادة عليه بأنه قد ضيع فرضا عليه واجبا .
وفي هذه الأخبار التي رويناها عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الشاك فيما صلى من عدد ركعات صلاة هو فيها على ما رويناها عنه ، الدلالة الواضحة على سبيل العمل في كل ما شك فيه شاك من الفرائض الواجبة عليه لله : هل أداه أم لا ؟ وذلك كالشاك من رماة الجمار من الحاج في عدد ما رماها به من الحصى ، والشاك من الطائفين بالبيت من الحاج في عدد ما طاف به من الأشواط ، والشاك من الساعين بين الصفا والمروة في عدد ما سعى بينهما من الطواف ، والشاك في شهر رمضان في يوم منه : هل أكل بعد طلوع الفجر أم لا ؟ أو هل أفطر قبل غروب الشمس أم لا ؟ والشاك بعد التطهر للصلاة هل أحدث حدثا نقض طهره أم لا ؟ والمستحاضة يلتبس عليها أيام طهرها من أيام حيضها ، ووقت ذلك .
والرجل يجب عليه زكاة في ماله ، فيعطيها من يراه فقيرا ، تحل له [ ص: 64 ] الصدقة ، ثم يلتبس عليه أمره ، وأمور كثيرة غير ذلك من أمور الدين .
وأن العمل في كل ذلك واحد في أنه إن أعاد ، وقضى فبالاحتياط أخذ ، وإن هو عمل بالأغلب من علمه فيه متحريا بذلك الصواب، فقد أصاب، وإن تساهل فيه وتركه قضى ما يرى أنه قد عمله مما هو على غير يقين من تضييعه ، فمعذور غير ملوم ، وإن كان تاركا الاحتياط والاختيار ، للأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الواردة عنه بالمعاني الثلاثة في حكم الشاك فيما قضى ، وفيما بقي عليه من عدد صلاة هو فيها على ما رويناها عنه .
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما على فبنى على اليقين أو تحرى ، فبنى على أكثر رأيه فيها ، أو بنى على أكثر ذلك ، متى يجب عليه أن يسجد لشكه في ذلك وسهوه ؟ . من شك في عدد صلاة هو فيها،
فقد علمت أن خبر عبد الرحمن وارد بأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر فيها بالسجود قبل السلام، والبناء على اليقين لا شك أنه إن لم يكن زيادة في صلاة الباني ، فغير نقصان منها ؟ ومن قولك أن إنما يجب في نقصان منها لا في زيادة ؟ وأن خبر السجود قبل السلام وارد بأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر بالسجود في ذلك بعد السلام ؟ قيل : القول في ذلك عندنا نظير القول فيما بينا من أمر الشاك في صلاته على ما قد بينا ، وهو أن ذلك إعلام من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن للزائد في صلاته ساهيا الخيار في سجوده لسهوه بين أن يسجده قبل السلام ، وبين أن يسجده بعد السلام ، لا إيجاب منه سجوده قبل السلام . ابن مسعود
وذلك أنه لما كان صحيحا عنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الأمران كلاهما - أعني سجوده في السهو في الصلاة في الزيادة بعد السلام ، في حال ، وأمره بالسجود فيها في الزيادة بعد السلام وقبله في أخرى ; علم [ ص: 65 ] من ذلك - إذ لم يكن أحدهما ناسخا للآخر - أنه على الإذن منه لأمته فيه بأي ذلك شاءوا أن يعملوا .
فإن قال قائل : فلعل أحدهما ناسخ للآخر ؟ قيل : غير جائز كون ذلك كذلك ; لأن ذلك لو كان على وجه النسخ لكان البيان بناسخ ذلك من منسوخه واردا مع ورود الخبرين للعلل التي قد بينا في ذلك في موضعه .
فإن قال : فهل من مخالف لك في هذا القول الذي قلت في معاني هذه الأخبار والأحكام التي فيها ؟ قيل : أما على ما بينا من التلخيص والتفسير ، فلا نعلم ، ولكن لنا في ذلك مخالفين مجملا من القول .
فإن قال : فاذكر لنا بعض ذلك .
قيل : أما الاختلاف فيما ينبغي للشاك في عدد ما صلى أن يعمل ؟ فقد مضى ذكرناه .
وأما الاختلاف في الحال التي ينبغي له أن يسجد فيها ; فإن ذكر المختلفين في ذلك بتقصيه وتقصي عللهم يطول ، وله موضع غير هذا نأتي عليه بتقصيه ، إذا انتهينا إليه إن شاء الله ، غير أنا نذكر بعض ما حضرنا ذكره من اختلاف بعض السلف في الحال التي ينبغي للشاك السجود في صلاته لشكه فيها .
( ذكر ذلك )