الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              131 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، قال : حدثنا أبو عاصم عبيد الله بن عبد الله ، عن علي بن زيد بن جدعان قال : " انطلق عمر إلى الشام، ومعه أناس من أصحابه ، حتى إذا دنا من الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح ، فقال : يا أمير المؤمنين جئت بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تدخلهم أرضا بها الطاعون - الذين هم أئمة يقتدى بهم ؟ قال : فقال له عمر: يا أبا عبيدة شككت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين أشاكا كان يعقوب صلوات الله عليه إذ قال لبنيه : لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة .

              قال : فقال عمر: والله لأدخلنها .

              فقال أبو عبيدة: والله لا ندخلها .

              قال : فرده " .

              فإن قال : فهل أحد ميت إلا بعد استيفائه مدة الأجل الذي كتب له ؟ قيل : لا .

              فإن قال : فإن كان كذلك ، فما وجه النهي عن دخول أرض بها الطاعون أو عن الخروج من أرض هو بها ؟  وقد علمت أن الله - جل وعز - عاب أقواما جلسوا عن مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقتل معه جماعة ممن شهده معه ؟ فقال الذين جلسوا عنه للذين قتلوا معه ; وكانوا قد نهوهم أن يشهدوا ذلك المشهد معه : لو أطاعونا ما قتلوا معه .

              فقال لنبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - موبخهم [ ص: 97 ] بقيلهم ما قالوا من ذلك قل : يا محمد لقائلي ذلك : فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين معلمهم - جل جلاله - بذلك أن الموت والحياة بيده .

              قيل : إن الأمر - وإن كان - كذلك ، فإنه لم ينه المريد دخول أرض بها الطاعون عن دخولها ، ولا الخارج من أرض هو بها عن الخروج منها ، حذارا على الداخل عليه من أن يصيبه بدخوله عليه غير ما كتب عليه ، وغير ما قد مضى به حكم الله فيه .

              أو أن يهلك بهبوطه عليه قبل الأجل الذي مضى في سابق علم الله أن إذا جاء لم يستأخر عنه ساعة ، ولم يستقدم .

              ولكن حذار الفتنة على الحي من أن يظن بأن من هبط أرضا هو به ، فهلك أنه إنما كان هلاكه من أجل هبوطه عليه ، وأن من خرج من أرض هو بها ، فنجا من الموت أن نجأه منه إنما كان من أجل خروجه عنه ؟ فنقول كما قال الذين عاب الله تعالى ذكره قولهم في الذين قتلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ قالوا : لو أطاعونا في الجلوس عن القتال ، ما قتلوا ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لكلا الفريقين الذين ذكرت في أمر الطاعون ما كره ، لما وصفت .

              ونهيه ذلك - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نظير نهيه عن الدنو من المجذوم .

              وقوله : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " .

              مع إعلامه [ ص: 98 ] - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمته " ألا عدوى ولا صفر " .

              وقد تقدم بيان ذلك كله قبل فيما مضى من كتابنا هذا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية