فمن ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إن هذا الوجع : رجز عذب به من قبلكم " .
يعني بقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " رجز " : عذاب .
ومنه قول الله تعالى ذكره : أولئك لهم عذاب من رجز أليم .
يقال : هو رجز ، ورجس - بالزاي والسين - ومنه قول رؤبة بن العجاج:
كم رامنا من ذي عديد مبز حتى وقمنا كيده بالرجز
يعني بقوله : " وقمنا كيده بالرجز " :رددنا مكره بالعذاب
.وأما قول أبي موسى: " إن هذا الوجع قد وقع في أهلنا ، فمن شاء أن يتنزه فليتنزه " .
فإنه يعني بقوله : فمن شاء أن يتنزه : فمن شاء أن يتنحى عنه ، فيبعد منه ، فليتنح وليبعد منه .
ومنه ; قيل : خرج فلان متنزها إذا خرج إلى بستان أو صحراء .
يراد بذلك : أنه خرج متنحيا عن مجمع الناس ، ومتباعدا عن منزله ، وأهله .
ومنه قولهم للموضع المتنحي عن الناس : مكان نزه .
ومنه قول [ ص: 99 ] رؤبة بن العجاج:
سبحن واسترجعن من تألهي أن كاد أخلاقي من التنزه)
يقال منه : تنزه فلان عن هذا الأمر : إذا تنحى عنه وارتفع .
وأما قول أبي موسى: " فكتب إليه أن عمر الأردن أرض غمقة ، وأن الجابية أرض نزهة " .
فإنه يعني بقوله : إن الأردن أرض غمقة : أنها أرض ندية كثيرة الندى والطل .
يقال : قد غمقت هذه الأرض ، فهي تغمق غمقا ، وهي أرض غمقة .
ومنه قول رؤبة في صفة حمر :
جوازيا يخبطن أنداء الغمق من باكر الوسمي نصاح البوق
وإنما وصفها بذلك ; لأنها عن البحر أشد تنحيا من الأردن .
وما قرب من البحر من البلاد فهي أندى وأطل وأكثر بلة مما بعد منها منه .
وأما قول أبي موسى: " فأمرني أن أركب فأبوئ الناس منازلهم " فإنه يعني بقوله : " فأبوئ الناس منازلهم " : فأتخذ لهم منازل ينزلونها ، وأرتاد ذلك لهم .
ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال .
يعني : تتخذ لهم مقاعد ، وترتادها لهم ، يقال : منه بوأت القوم منازلهم ، وبوأت لهم منازلهم كما يقال : ردفتك ، وردفت لك .
ونقدت لها صداقها ، ونقدتها ، فأنا أبوئهم تبوئة .
ومسموع من العرب : أبأت القوم منزلا ، فأنا أبيئها إباءة .
ويقال منه : أبأت الإبل : إذا رددتها إلى المباءة .
والمباءة : المراح [ ص: 100 ] الذي تبيت فيه .
ومنه قول الطرماح بن حكيم:
طرف التأنف ما يبن مباءة حولين طيب بنة الأبعار)
وقيل : الوخزة : أن يجمع الرجل أطراف أصابع يده ، ثم يدفع بها في صدر الرجل أو غيره من جسده .
وهي الفعلة من قولهم : وخزت فلانا ، فأنا أخزه وخزا : إذا نخسته بمنخسة .
ومنه قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ قال : فناء أمتي بالطعن والطاعون .
فقيل : أما الطعن فقد عرفناه ، فما الطاعون ؟ فقال : وخز أعدائكم من الجن " .
ومنه قول : رؤبة بن العجاج:
والحرب عسراء اللقاح المغزي بالمشرفيات وطعن وخز)
فإن : الشعاب : الأنهار الصغار التي تأخذ من الأودية العظام .
وإنما أراد عمرو بذلك : جدوا في هذه الطرق التي تتشعب من الطريق الأعظم ، هربا من الطاعون فتنحوا عنه .
وأما قول طارق بن عبد [ ص: 101 ] الرحمن : " إن الوباء وقع بالشام، واستعر " فإنه يعني بقوله : " استعر " : اتقد وحمي .
وهو افتعل من السعير .
ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذا الجحيم سعرت .
وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " . وسألته ألا يلبسهم شيعا "
فإنه عنى بقوله : شيعا : فرقا .
يقول : سألته ألا يجعلهم متفرقي الأهواء .
ومنه قول الله تعالى ذكره : (إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا) .
يعني : فرقا .
ومنه قول رؤبة .
لو أن يأجوج ومأجوج معا والناس أخلافا علينا شيعا
فإنه يعني بالعدوتين : شفيري الوادي ، وجانبيه .
وفيها لغتان : عدوتان - بكسر العين - وعدوتان : بضمها - وينشد في كسرها بيت الراعي :
وعينان حم مآقيهما كما نظر العدوة الجؤذر
وينشد في ضمها بيت أوس بن حجر : [ ص: 102 ]
وفارس لا يحل الحي عدوته ولوا سراعا وما هموا بإقبال