الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ( القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب )

              فمن ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إن هذا الوجع : رجز عذب به من قبلكم " .

              يعني بقوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " رجز " : عذاب .

              ومنه قول الله تعالى ذكره : أولئك لهم عذاب من رجز أليم .

              يقال : هو رجز ، ورجس - بالزاي والسين - ومنه قول رؤبة بن العجاج:

              كم رامنا من ذي عديد مبز حتى وقمنا كيده بالرجز

              يعني بقوله : " وقمنا كيده بالرجز " :

              رددنا مكره بالعذاب

              .

              وأما قول أبي موسى: " إن هذا الوجع قد وقع في أهلنا ، فمن شاء أن يتنزه فليتنزه " .

              فإنه يعني بقوله : فمن شاء أن يتنزه : فمن شاء أن يتنحى عنه ، فيبعد منه ، فليتنح وليبعد منه .

              ومنه ; قيل : خرج فلان متنزها إذا خرج إلى بستان أو صحراء .

              يراد بذلك : أنه خرج متنحيا عن مجمع الناس ، ومتباعدا عن منزله ، وأهله .

              ومنه قولهم للموضع المتنحي عن الناس : مكان نزه .

              ومنه قول رؤبة بن العجاج: [ ص: 99 ]

              سبحن واسترجعن من تألهي     أن كاد أخلاقي من التنزه)

              يعني بقوله : " أن كاد - أخلاقي من التنزه " : أن تقترب أخلاقي من الترفع عما يكره من الأمور .

              يقال منه : تنزه فلان عن هذا الأمر : إذا تنحى عنه وارتفع .

              وأما قول أبي موسى: " فكتب إليه عمر أن الأردن أرض غمقة ، وأن الجابية أرض نزهة " .

              فإنه يعني بقوله : إن الأردن أرض غمقة : أنها أرض ندية كثيرة الندى والطل .

              يقال : قد غمقت هذه الأرض ، فهي تغمق غمقا ، وهي أرض غمقة .

              ومنه قول رؤبة في صفة حمر :

              جوازيا يخبطن أنداء الغمق     من باكر الوسمي نصاح البوق

              وأما قوله : " وإن الجابية أرض نزهة " فإنه يعني : أنها بعيدة من الغمق .

              وإنما وصفها بذلك ; لأنها عن البحر أشد تنحيا من الأردن .

              وما قرب من البحر من البلاد فهي أندى وأطل وأكثر بلة مما بعد منها منه .

              وأما قول أبي موسى: " فأمرني أن أركب فأبوئ الناس منازلهم " فإنه يعني بقوله : " فأبوئ الناس منازلهم " : فأتخذ لهم منازل ينزلونها ، وأرتاد ذلك لهم .

              ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال .

              يعني : تتخذ لهم مقاعد ، وترتادها لهم ، يقال : منه بوأت القوم منازلهم ، وبوأت لهم منازلهم كما يقال : ردفتك ، وردفت لك .

              ونقدت لها صداقها ، ونقدتها ، فأنا أبوئهم تبوئة .

              ومسموع من العرب : أبأت القوم منزلا ، فأنا أبيئها إباءة .

              ويقال منه : أبأت الإبل : إذا رددتها إلى المباءة .

              والمباءة : المراح [ ص: 100 ] الذي تبيت فيه .

              ومنه قول الطرماح بن حكيم:

              طرف التأنف ما يبن مباءة     حولين طيب بنة الأبعار)

              وأما قول أبي موسى قال : فذهب ليركب ، فوجد وخزة ، فإنه يعني بالوخزة : النخسة .

              وقيل : الوخزة : أن يجمع الرجل أطراف أصابع يده ، ثم يدفع بها في صدر الرجل أو غيره من جسده .

              وهي الفعلة من قولهم : وخزت فلانا ، فأنا أخزه وخزا : إذا نخسته بمنخسة .

              ومنه قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ قال : فناء أمتي بالطعن والطاعون .  

              فقيل : أما الطعن فقد عرفناه ، فما الطاعون ؟ فقال : وخز أعدائكم من الجن " .

              ومنه قول : رؤبة بن العجاج:

              والحرب عسراء اللقاح المغزي     بالمشرفيات وطعن وخز)

              وأما قول عمرو بن العاص : " فتفرقوا في هذه الشعاب والأدوية " .

              فإن : الشعاب : الأنهار الصغار التي تأخذ من الأودية العظام .

              وإنما أراد عمرو بذلك : جدوا في هذه الطرق التي تتشعب من الطريق الأعظم ، هربا من الطاعون فتنحوا عنه .

              وأما قول طارق بن عبد [ ص: 101 ] الرحمن : " إن الوباء وقع بالشام، واستعر " فإنه يعني بقوله : " استعر " : اتقد وحمي .

              وهو افتعل من السعير .

              ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذا الجحيم سعرت .

              وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " وسألته ألا يلبسهم شيعا   " .

              فإنه عنى بقوله : شيعا : فرقا .

              يقول : سألته ألا يجعلهم متفرقي الأهواء .

              ومنه قول الله تعالى ذكره : (إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا) .

              يعني : فرقا .

              ومنه قول رؤبة .


              لو أن يأجوج ومأجوج معا     والناس أخلافا علينا شيعا

              وأما قول عمر لأبي عبيدة : " أرأيت لو كانت لك إبل ، فهبطت واديا له عدوتان " .

              فإنه يعني بالعدوتين : شفيري الوادي ، وجانبيه .

              وفيها لغتان : عدوتان - بكسر العين - وعدوتان : بضمها - وينشد في كسرها بيت الراعي :

              وعينان حم مآقيهما     كما نظر العدوة الجؤذر

              بكسر العين .

              وينشد في ضمها بيت أوس بن حجر : [ ص: 102 ]

              وفارس لا يحل الحي عدوته     ولوا سراعا وما هموا بإقبال

              ويقال للرجل إذا أمر بلزوم ناحية الطريق : الزم أعداء الطريق .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية