( تنبيهات )  
( الأول ) قال  الجوهري     :  
الجان أبو الجن . قال الإمام   أبو الوفا بن عقيل     : إنما  يسمى الجن جنا   لاجتنانهم ، واستتارهم عن العيون ، قال : والشياطين عصاة الجن ، وهم من ولد إبليس ، والمردة أعتاهم وأغواهم .  
وقال   ابن عبد البر     : الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب ، فإذا ذكروا الجن خالصا قالوا : جني ، فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا : عامر ، والجمع عمار ، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا : أرواح ، فإن خبث وتعرض قالوا شيطان ، فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا : عفريت .  
وقال  شيخ الإسلام ابن تيمية   روح الله روحه : لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في  وجود الجن   ، وكذا جمهور الكفار ، لأن وجودهم تواترت به أخبار الأنبياء تواترا معلوما بالاضطرار يعرفه الخاصة والعامة ، وقال : ولم ينكر الجن إلا شرذمة قليلة من جهال الفلاسفة ونحوهم .  
وقال   القاضي أبو بكر الباقلاني     : كثير يقر بوجودهم ، ويزعم أنهم لا يرون لرقة أجسامهم ونفوذ الشعاع فيها ، ومنهم من زعم أنهم لا يرون لأنهم لا ألوان لهم ، وقد ذكر   إسحاق بن بشر  في المبتدأ  عن   عبد الله بن عمرو بن العاص     - رضي الله عنهما : خلق الجن قبل  آدم   بألفي سنة  ، وقال  إسحاق  عن  عكرمة  عن   ابن عباس     - رضي الله عنهما : لما خلق الله تعالى سوما أبا الجن ؟ وهو الذي خلق من مارج من نار قال له تعالى : تمن ، قال : أتمنى أن نرى ولا نرى ، وأن نغيب في الثرى ، ويصير كهلنا شابا . فأعطي ذلك ، فهم يرون ولا يرون ، وإذا ماتوا غيبوا في الثرى ، ولا يموت كهلهم حتى يعود شابا يعني مثل الصبي يرد إلى أرذل العمر     .  
وأخرج      [ ص: 221 ] مسلم  عن أم المؤمنين  عائشة  الصديقة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "  خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق  آدم   مما وصف لكم     " .  
وأخرج   الفريابي  ،   وعبد بن حميد  عن  مجاهد  في قوله : (  وخلق الجان من مارج من نار      ) قال : اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت .  
وقال   ابن عباس     - رضي الله عنهما : خلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار  ، وأخرج   ابن أبي حاتم  عن   عمرو بن دينار  قال : خلق الجان والشياطين من نار الشمس     . انتهى .  
وقال   أبو الوفا بن عقيل  في الفنون : سأل سائل عن الجن ، فقال أخبر الله عنهم أنهم من نار ، وأخبر أن الشهب تضرهم وتحرقهم ، فكيف تحرق النار النار ؟ قال : والجواب أن الله تعالى أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار ، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين ، وليس الآدمي طينا حقيقة ولكنه كان طينا ، كذلك الجان كان نارا في الأصل .  
قال   القاضي عبد الجبار المعتزلي     : الدليل على أن أصل الجن النار السمع دون العقل .  
وقال الإمام   القاضي أبو يعلى بن الفراء     :  الجن أجسام مؤلفة ، وأشخاص ممثلة ، ويجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة   ، خلافا  للمعتزلة   في قولهم : إنهم أجسام رقيقة ، ولرقتها لا تراها . قال   القاضي أبو يعلى     : ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور ، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات ضربا من ضروب الأفعال إذا فعلها وتكلم بها نقله الله من صورة إلى صورة ، فيقال إنه قادر على التصوير والتخييل على معنى أنه قادر على قول إذا قاله وفعله نقله الله عن صورة إلى أخرى لجري العادة ، وأما أن يصور نفسه في ذلك فذلك محال ؛ لأن انتقالها عن صورة إلى صورة إنما يكون بنقض البنية وتفريق الأجزاء ، وإذا انتقلت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة ، وكيف تنقل نفسها ؟ قال : والقول في تشكيل الملائكة مثل ذلك ، والذي روي أن إبليس تصور في صورة  سراقة  ، وأن  جبريل   تمثل في صورة  دحية  محمول على ما ذكرنا ، وهو أنه أقدره الله على قول قاله فنقله الله عن صورة إلى صورة أخرى ، قال القاضي :  الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون   كما يفعل الإنس .  
 [ ص: 222 ] وظاهر المعلومات أن جميع الجن كذلك ، وهو رأي قوم ، ثم اختلفوا فزعم بعضهم أن أكلهم وشربهم تشمم استرواح لا مضغ وبلع ، وهذا لا دليل عليه ، وقال الأكثرون : إنهم يأكلون بمضغ وبلع ، وزعم قوم أن جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون . وهذا ساقط ، وقيل إن صنفا يأكلون ويشربون ، وصنفا لا يأكلون ولا يشربون ،وسئل   وهب بن منبه  عن الجن هل يأكلون ويشربون ؟ وهل يموتون ويتناكحون ؟ فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتوالدون ويتناكحون ويموتون ، قال : وهي هذه التي منها السعالي والغول وأشباه ذلك     . أخرجه   ابن جرير     .  
وحديث  علقمة  عن  أبي مسعود  عند   الإمام أحمد  ومسلم   والترمذي     :  لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - داع من الجن ، فذهب معه فقرأ عليهم القرآن ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - انطلق بأصحابه فأراهم آثارهم وآثار نيرانهم يدل على أنهم كانوا كالإنس في الجملة ، وفيه أنهم سألوه الزاد ، وكانوا من جن  الجزيرة   ، فقال لهم - صلى الله عليه وسلم :  
لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه     -  ولفظ  الترمذي     : لم يذكر اسم الله عليه - يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم     .  
قال النبي - صلى الله عليه وسلم : "  لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن     " وقد جمع بعض العلماء بين رواية  الترمذي  لم يذكر اسم الله عليه ، وبين رواية   الإمام أحمد  ومسلم  بأن ما في المسند وصحيح  مسلم  في حق المسلم من الجن ، وما في رواية  الترمذي  في حق غير المؤمنين منهم ، وصححه  السهيلي  ، وقال : هذا يعضد الأحاديث .  
وقد استدلوا على مناكحتهم بقوله تعالى (  أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو      ) وبقوله تعالى : (  لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان      ) وهذا يدل على أنه يتأتى منهم الجماع ، وفي الحديث : "  إن الجن يتوالدون كما يتوالد بنو  آدم   وهم أكثر عددا     " . رواه   ابن أبي حاتم  ،  وأبو الشيخ  في العظمة عن  قتادة     .  
				
						
						
