الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر الطبقة الثانية

باب الألف

578 - أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين بن المنادي

سمع جده محمدا وأباه جعفرا ، ومحمد بن إسحاق الصاغاني ، وعباسا الدوري ، وزكريا بن يحيى المروذي ، ومحمد ابن عبد الملك الدقيقي ، وأبا داود السجستاني ، والمروذي ، ويعقوب المطوعي ، وعبد الله بن أحمد وأكثر الرواية عنه وغيرهم وكان ثقة أمينا ثبتا صدوقا ورعا حجة فيما يرويه محصلا لما يحكيه صنف كتبا كثيرة وجمع علوما جمة قيل : إن مصنفاته نحو من أربعمائة مصنف ولم يسمع الناس من مصنفاته إلا أقلها .

روى عنه المتقدمون كأبي عمر بن حيويه ونحوه وكان الجد الوالد السعيد لأمه منه إجازة وآخر من حدث عنه محمد بن فارس الغوري .

قال ابن ثابت : حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال : كان أبو الحسين بن المنادي صلب الدين خشن الطريقة شرس الأخلاق فلذلك لم تنتشر الرواية عنه .

قال : وقال لي أبو الحسين بن الصلت : كنا نمضي مع ابن قاج الوراق إلى ابن المنادي لنسمع منه فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت : كم أنتم ؟ فنخبرها بعددنا ويؤذن لنا في الدخول فيحدثنا فدخل معنا مرة إنسان علوي وغلام له فلما استأذنا قالت الجارية : كم أنتم ؟ فقلنا : نحو ثلاثة عشر وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد فدخلنا عليه فلما رآنا خمسة عشر [ ص: 4 ] نفسا قال لنا : انصرفوا اليوم فلست أحدثكم فانصرفنا وظننا أنه عرض له شغل ثم عدنا إليه مجلسا ثانيا فصرفنا ولم يحدثنا فسألناه بعد ذلك عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا ؟ فقال : كنتم تذكرون عددكم في كل مرة للجارية وتصدقون ثم كذبتم في المرة الأخيرة ومن كذب في هذا المقدار لم يؤمن أن يكذب فيما هو أكبر منه فاعتذرنا إليه وقلنا : نحن نتحفظ فيما بعد فحدثنا أو كما قال .

مولده :

لثمان عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين وقيل : سنة سبع وخمسين ومائتين وحج سنة ثلاث وسبعين ومائتين .

أنبأنا الملطي قال : أخبرنا محمد بن فارس عن أبي الحسين بن المنادي حدثني جدي محمد قال : قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرع هذه الدار التي أسكنها فأخرج الزكاة عنها في كل سنة ذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد .

وبه حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال : ذكر أبي حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل تجبى إليها كنوز الأرض ويجتمع إليها كل لسان فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة " فقال : كان المحاربي جليسا لسيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وكان سيف كذابا فأظن المحاربي سمعه منه قال عبد الله : فقيل لأبي : فإن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول ؟ فقال أبي : كل من حدث بهذا الحديث عن سفيان الثوري فهو كذاب قال عبد الله : فقلت له : إن لوينا حدثناه عن محمد بن جابر الحنفي . فقال : كان محمد بن جابر ربما ألحق في كتابه الحديث ثم قال أبي : هذا الحديث ليس بصحيح أو قال : كذب . [ ص: 5 ]

وبه : حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرجسي الحمصي حدثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمر ، والقرشي حدثنا أسعد الأنصاري عن أبي يحيى من آل الزبير بن العوام قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم " .  

قال ابن المنادي : حدثنا جدي قال : ضرب أبو عبد الله سبعة وثلاثين سوطا معلقا بينه وبين الأرض قبضة وإنما قطع الضرب عنه لأنه غشي عليه فذهب عقله واصفر واسترخى ففزع لذلك المعتصم وقال : حلوا القيود عنه واحملوه إلى منزله .

قال : وحدثني أبي وجدي رحمهما الله قالا : كان ضرب أبي عبد الله أحمد بن حنبل بالسياط بمدينة السلام في دار المعتصم يوم الأربعاء لست بقين من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين وبينه وبين الأرض مقدار قبضة .

وقال : قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : لما دخلنا طرسوس أقمنا أياما ومات المأمون فظننت أني قد استرحت من الغم الذي كنت فيه والقيد والضيق فدخل علينا رجل فذكر أنه صار مع أبي إسحاق رجل يقال له : ابن أبي دؤاد وقد أمر أن تحدروا إلى بغداد فجاءني غم آخر فنالني من الغم والأذى أمر عظيم قال حنبل : فلما قدم أبو عبد الله حبس في إسطبل لمحمد بن إبراهيم ابن أخي إسحاق بن إبراهيم وذلك في دار عمارة ومرض في شهر رمضان والقيد في رجله ثم حول إلى سجن العامة بالبغويين فمكث هناك نحوا من ثلاثين شهرا .

قال ابن المنادي : وكانت وفاة المعتصم  في روايتنا عن آبائنا وغيرهم من شيوخنا رحمهم الله أجمعين يوم الخميس لإحدى عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ثم بويع ابنه هارون وسمي الواثق يوم مات المعتصم وكان على مذهب المعتصم ، والمأمون في خلق القرآن  إلا أنه لم ينبسط في [ ص: 6 ] الامتحان غير أن الناس كانوا يقرعونه سيما أن عبد الرحمن بن إسحاق كان قاضيه وهو الذي أشار عليه بقتل أحمد بن نصر الخزاعي .

فلنذكر بعض اختياراته : اختار إيجاب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل  واختار تنجيس أسار جوارح الطيور واختار تحريم الوضوء من آنية الذهب والفضة  مع الحكم بصحة الطهارة .

ومات يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ودفن في مقبرة الخيزران .

التالي السابق


الخدمات العلمية