الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
65 - ذكر سلمان الفارسي رضي الله عنه، كنيته أبو عبد الله

أسلم بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة، وكان قبل ذلك يقرأ الكتب، ويطلب الدين، وكان عبدا لقوم من بني قريظة [ ص: 438 ] فكاتبهم، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابته، وعتق.

قال أهل التاريخ: أول مشاهده الخندق، وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان رضي الله عنه.

روي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: كنت من أصبهان من أهل قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقانها.

وعن أبي قرة الكندي ، عن سلمان ، رضي الله عنه، قال: كنت من أبناء أساورة فارس، وكنت في كتاب، وكان معي غلامان، فكانا إذا رجعا من عند معلمهما أتيا قسا فدخلا عليه، فدخلت معهما عليه، فقال: ألم أنهكما أن تأتياني بأحد،  فجعلت اختلف إليه حتى كنت أحب إليه [ ص: 439 ] منهما، فقال لي: إذا سألك أهلك ما حبسك؟ فقل: معلمي، وإذا سألك معلمك ما حبسك؟ فقل: أهلي، ثم إنه أراد أن يتحول، فقلت: أنا أتحول معك، فتحولت معه فنزلت قرية، وكانت امرأة تأتيه، فلما حضر قال لي: يا سلمان، احفر عند رأسي فحفرت عند رأسه فاستخرجت جرة من دراهم، فقال لي: صبها على صدري، فصببتها، ثم إنه مات فهممت بالدراهم، ثم إني ذكرت الموت والقيامة فتركتها وآذنت القسيسين والرهبان به فحضروه، فقلت لهم: إنه قد ترك مالا، فقام شباب في القرية فأخذوه، فقلت للرهبان: أخبروني برجل عالم أتبعه؟ فقالوا: ما نعلم في الأرض رجلا أعلم من رجل بحمص، فانطلقت إليه فلقيته، فقصصت عليه القصة، فقال: وما جاء بك إلا طلب العلم؟ فقلت: ما جاء بي إلا طلب العلم، فقال: فإني لا أعلم اليوم في الأرض أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة، وإن انطلقت الآن وافقت حماره، قال: فانطلقت فإذا حمار على باب بيت المقدس، فجلست عنده حتى خرج إلي، فقصصت عليه القصة، فقال: وما جاء بك إلا طلب العلم؟ قلت: نعم، قال: اجلس فانطلق فلم أره حتى الحول، فجاء فقلت له: يا عبد الله، ما صنعت بي؟ قال: وإنك لها هنا؟ قلت: نعم، قال فإني والله ما أعلم اليوم في الأرض [ ص: 440 ] رجلا أعلم من رجل خرج بأرض تيم، فإن تنطلق توافقه وفيه ثلاث آيات: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وعند غضروف كتفه اليمنى خاتم النبوة، مثل بيضة الحمامة، لونها لون جلده، قال: فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى مررت على قوم من الأعراب فاستعبدوني، فباعوني واشترتني امرأة بالمدينة، فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العيش عزيزا، فقلت لها: هبي لي يوما، فقالت: نعم.

فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته، فأتيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يسيرا فوضعته بين يديه، فقال: "ما هذا" ؟ قلت: صدقة، فقال لأصحابه: "كلوا" ، ولم يأكل، فقلت: هذه من علامته، ثم مكثت ما شاء الله أن أمكث، ثم قلت لمولاتي: هبي لي يوما.

فقالت: نعم، فانطلقت فاحتطبت حطبا، فبعته بأكثر من ذلك وصنعت طعاما، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس بين أصحابه فوضعته بين يديه، فقال: "ما هذا؟" ، فقلت: هدية، فوضع يده، وقال لأصحابه: "خذوا باسم الله" ، فقمت خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوة، فقلت: أشهد أنك رسول الله، قال: "وما ذاك؟" ، فحدثته عن الرجل، ثم قلت: أيدخل الجنة يا رسول الله؟ فإنه أخبرني أنك نبي، فقال: "لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" ، فقلت: يا رسول الله، إنه خبرني أنك نبي، قال: "لن يدخل الجنة إلا رجل [ ص: 441 ] مسلم"
وفي رواية بريدة ، رضي الله عنه، جاء سلمان ، رضي الله عنه، إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا سلمان؟" ، فقال: صدقة عليك وعلى أصحابك، فقال: "ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة" ، فرفعها فجاء من الغد بمثله فوضعها بين يديه، فقال: "ما هذا يا سلمان؟" ، قال: هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ابسطوا" ، قال: فنظر إلى الخاتم الذي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمن به، وكان لليهود فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكذا وكذا درهما، وعلى أن يغرس لهم نخيلا فيعمل سلمان فيها حتى تطعم، قال: فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، النخيل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخيل من عامها ولم تحمل نخلة عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما شأن هذه؟" ، فقال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها، فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم غرسها فحملت من عامها [ ص: 442 ]

وفي رواية عن سلمان رضي الله عنه، قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مائة فسيلة، فإذا علقت فأنا حر، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إذا أردت أن تغرس فآذني" ، فآذنته، فجعل يغرس فعلقن جميعا إلا واحدة غرستها أنا بيدي.  

التالي السابق


الخدمات العلمية