الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله عز وجل: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل   .

        975 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال: حدثنا أبو بكر ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، قال: "خطبنا عمر ، وعليه قطري أو ثوب أبيض، فيه رقعة، إذا رأيتها كأنها من أدم، فخطبنا، فكان يقرأ على المنبر آل عمران، ويقول: إنها أحدية، ثم قال: تفرقنا عن رسول الله يوم أحد، فصعدت الجبل، فسمعت يهوديا يقول: قتل محمد، فقلت: لا أسمع أحدا يقول: قتل محمد إلا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه، فنزلت هذه الآية: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " [ ص: 403 ] .

        976 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا أحمد بن سعيد ، قال: حدثنا وهب بن جرير ، قال: حدثنا أبي، عن علي بن الحكم ، عن الضحاك ، وأما قوله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل عنى بذلك قوما من أهل الارتياب، والمرض، والنفاق، قالوا ذلك يوم أحد حين انهزم الناس، وكسرت رباعية رسول الله، وشج فوق حاجبه، ففقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناعوه، وقالوا: لو كان محمد رسولا ما مات، ولا قتل، فالحقوا بدينكم الأول".

        977 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا إسحاق ، قال: أخبرنا عمرو بن محمد ، قال: حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، قال: "لما كان يوم أحد انهزم إخوانكم، قال بعض الناس: إن كان محمد قد أصيب، فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم، وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب، ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به، فأنزل الله جل وعز وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية  وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله -بقتل نبيهم- إلى قوله: فآتاهم الله ".

        978 - حدثنا ابن بنت منيع ، قال: حدثنا يحيى الحماني ، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي ، عن أبي عون ، عن المسور بن مخرمة ، قال: [ ص: 404 ] قلت لعبد الرحمن بن عوف: "أي خال، أخبرني عن قصتكم يوم أحد! قال: " اقرأ وإذ غدوت من أهلك تبوئ إلى قوله: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، قال: هو صياح الشيطان يوم أحد قتل محمد".

        979 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال: "قفل رسول الله من حجة الوداع، فأقام بالمدينة في ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وصوب على الناس بفناء".

        980 - كما حدثنا علي ، [ قال: حدثنا] أحمد ، قال: حدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير ، أنه قال: "أمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة ، مولاه، فبينا الناس على ذلك، ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه، إلى ما أراد به من رحمته وكرامته، في ليال بقين من صفر، أو في أول شهر ربيع الأول".

        قال ابن إسحاق: "فكان أول ما ابتدئ به من ذلك -فيما ذكر لي- أنه خرج إلى البقيع، بقيع الغرقد، من جوف الليل، فاستغفر لهم، ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك"
        [ ص: 405 ] .

        981 - كما حدثنا علي ، قال: حدثنا أحمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال: حدثني عبد الله بن عمر بن علي العبلي ، عن عبيد بن جبير، مولى الحكم بن أبي العاص ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة ، قال: "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال: يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع،  فانطلق معي"، فانطلقت معه، فلما وفد بين أظهرهم قال: "السلام عليكم يا أهل المقابر"، ثم أقبل علي، فقال: "يا أبا مويهبة ، قد علمت أني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، خيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة"، قال: قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة! قال: "لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنة" قال: ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدئ رسول الله في وجعه الذي قبضه الله فيه حين أصبح".

        982 - قال محمد بن إسحاق: قال ابن شهاب الزهري: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما أسمعه يقول: "إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره"، قالت: فلما حضر رسول [ ص: 406 ] الله كان آخر ما سمعتها منه وهو يقول: "بل الرفيق الأعلى في الجنة"، قالت: فقلت: إذا -والله- لا يختارنا، وعرفت أنه الذي كان يقول لنا: "إن نبيا لا يقبض حتى يخير".

        983 - فحدثنا علي ، قال: حدثنا أحمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، قال: قالت عائشة: بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي توفي منه، وهو في بيت ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج في يومه ذلك، حتى دخل علي، قالت: فقلت: وارأساه، قال: "وددت أن ذلك يكون وأنا حي، فأصلي عليك، وأدفنك، بل أنا وارأساه، ادعي أباك وأخاك أعهد إليهما، فإني أخاف أن يتمن متمن، أو يقول: أنا، ويأبى الله ذلك والمؤمنون".

        ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت ميمونة، فاشتد وجعه، فقال الناس: قوموا فصلوا، قالت عائشة: ثم استأذن رسول الله نساءه أن يكون في بيت عائشة، ويقال: إنما قالت ذلك لهن فاطمة، فقالت: إنه يشق على رسول الله الاختلاف، فأذن له، فخرج من بيت ميمونة إلى بيت عائشة، تخط رجلاه بين عباس ورجل آخر، حتى دخل بيت عائشة
        [ ص: 407 ] .

        984 - فحدثنا علي ، قال: حدثنا أحمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر الرازي ، عن أنس بن مالك ، أنه قال: "لما كان يوم الاثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى الناس -وهم يصلون الصبح-، فرفع الستر، وفتح الباب،  فخرج رسول الله حتى قام على باب عائشة، فكاد المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فرحا به.

        فأشار عليهم أن اثبتوا على صلاتكم، ثم رجع رسول الله، وانصرف الناس، وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح".


        985 - حدثنا علي ، قال: حدثنا أحمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن عبد الله بن عباس ، قال: "خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الناس، من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الناس: يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح -بحمد الله- بارئا، قال: فأخذ العباس بيده، ثم قال: أحلف بالله، لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كنت [ ص: 408 ] أعرفه في وجوه بني عبد المطلب، فتوفي رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم".

        986 - قال الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال: "لما توفي رسول الله قام عمر بن الخطاب ، فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله -والله- ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل: مات، والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.

        قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس، فلم يلتفت إلى شيء، حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية البيت مسجى، عليه برد حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أكب عليه، فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا، قال: ثم رد البرد على وجه رسول الله، ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: على رسلك يا عمر ، أنصت، قال: فأبى إلا أن يتكلم، قال: فلما رآه أبو بكر لا يصمت، أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه، أقبلوا عليه، وتركوا عمر ، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه.

        [ ص: 409 ] ثم قال: أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدا، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله عز وجل فإن الله حي لا يموت،  قال: ثم تلا هذه الآية: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم، قال: فقال أبو هريرة: قال عمر: والله ما هي إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض، وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات".


        987 - قال أحمد حدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس ، قال: والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له، وفي يده الدرة، وما معه غيري، قال: وهو يحدث نفسه، ويضرب جهة قدمه بدرته، إذ التفت إلي، فقال: يا ابن عباس: "هل ترى ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم! قال: فإنه -والله- إن الذي حملني على ذلك، إلا أني كنت أقرأ هذه الآية: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ ص: 410 ] فوالله إني كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته، حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت!".

        988 - قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال: قال عمر بن الخطاب ، -وذكر أبا بكر -: " إنه قد كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنصار اجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة، فانطلقنا نؤمهم حتى جئناهم، في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل، فلما جلسنا نشهد خطيبهم، فلما سكت قام أبو بكر ، فتكلم، فارتفعت الأصوات، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار".  

        989 - قال ابن إسحاق: "فبلغني أن الناس بكوا على رسول الله، حين توفاه الله"، وقالوا: "والله لوددنا أنا متنا قبله،  إنا نخشى أن نفتتن بعده، فقال معن بن عدي: لكني والله ما أحب أني مت قبله، حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا، فقتل معن يوم اليمامة شهيدا.

        فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء"
        [ ص: 411 ] .

        990 - فحدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، وحسين بن عبد الله ، وغيرهما، "أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن عباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران مولى رسول الله ، هم الذين ولوا غسله،  وأن أوس بن خولي ، أحد بني عوف بن الخزرج، قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنشدك الله يا علي ، وحظنا من رسول الله -وكان أوس من أصحاب بدر-، قال: ادخل، فدخل، فجلس، وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسنده علي إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم يغسلونه معه، وكان أسامة بن زيد ، وشقران مولياه، هما اللذان يصبان عليه الماء، وعلي يغسله، قد أسنده إلى صدره، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يفضي بيده إلى رسول الله، وعلي يقول: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! ولم ير من رسول الله شيئا، مما يرى من الميت".

        991 - قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة، قالت: [لما أرادوا] غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هو: أن [ ص: 412 ] غسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، قالت: فقاموا إلى رسول الله، فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه والقميص دون أيديهم".

        992 - قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال: "لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد، فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة، وللآخر اذهب إلى أبي طلحة، اللهم خر لرسولك، قال: فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة، فجاء به، فلحد لرسول الله.

        وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض"،  فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه فحفر له تحته.

        فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وضع على سريره في بيته، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا: الرجال، حتى إذا فرغوا أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء، أدخل الصبيان، ثم العبيد، ولم يؤم الناس على رسول الله أحد.

        ثم دفن رسول الله من أوسط الليل، ليلة الأربعاء"
        [ ص: 413 ] .

        993 - قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن امرأته فاطمة بنت محمد بن عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: "ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي، من جوف الليل، من ليلة الأربعاء".

        994 - قال محمد: وقد حدثتني فاطمة هذا الحديث.

        وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب: -أنشدك الله- وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: انزل، فنزل مع القوم".

        995 - قال أحمد: وحدثنا إبراهيم بن سعد ، عن سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن ابن أبي مرحب ، قال: "نزل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أحدهم: عبد الرحمن بن عوف".

        996 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال: قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، [ ص: 414 ] عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن مولاه عبد الله بن الحارث ، قال: "اعتمرت مع علي بن أبي طالب ، في زمن عمر ، أو زمن عثمان ، فنزل على أخته أم هانئ، فدخل عليه نفر من أهل العراق، فقالوا: يا أبا حسن ، جئناك نسألك عن أمر، نحب أن تخبرنا عنه، قال: أظن المغيرة بن شعبة يخبركم، أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله، قالوا: أجل! عن ذاك جئناك نسألك! قال: أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس".

        997 - قال محمد بن إسحاق: وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة، قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "لا يترك بجزيرة العرب دينان".

        وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، قالت: كمل في هجرة عشر سنين كوامل".


        قال ابن إسحاق: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين، فكانت عائشة فيما بلغني تقول: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ ص: 415 ] ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية، والنصرانية، وغمر النفاق، فصار المسلمون كالغنم المطيرة المغيرة، في الليلة الشاتية، لفقد نبيهم -صلوات الله عليه-، حتى جمعهم الله على أبي بكر.

        وبكى المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر -فيما بلغني والله أعلم-:


        أجدك ما لعينك لا تنام كأن جفونها فيها كلام     لأمر مصيبة عظمت وجلت
        فدمع العين أهونه السمام     فجعنا بالنبي وكان فينا
        إمام كرامة نعم الإمام     وكان قوامنا والرأس منا
        فنحن اليوم ليس لنا قوام



        قوله جل وعز: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية.

        998 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا محمد بن يحيى ، قال: حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة العباد ، قال: حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم والله لا ننقلب على [ ص: 416 ] أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل، لأقاتلن ما قاتل عليه، حتى أموت، والله إني لأخوه، ووليه، ووارثه وابن عمه، ومن أحق به مني؟".

        999 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا أحمد بن نصر ، عن أبي عباد ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، قال: لما نزلت هذه الآية: ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قالوا: يا رسول الله، قد علمنا أن الإيمان يزداد، فهل ينقص؟ قال: "إي والذي بعثني بالحق إنه لينقص!" فقالوا: يا رسول الله فهل في ذلك دلالة في كتاب الله؟ فقال: "نعم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، فالانقلاب نقصان، ولا كفر".

        1000 - حدثنا أبو حاتم محمد بن حاتم بن إدريس بن المنذر ، قال: حدثنا نعيم بن حماد ، قال: حدثنا ابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة، قالت: "لما خرج أبو بكر تلا وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، لم يعلم الناس أن هذه الآية نزلت في كتاب الله، حتى قرأها أبو بكر عليهم"   [ ص: 417 ] .

        1001 - حدثنا محمد بن علي ، قال: حدثنا سعيد بن منصور ، قال: حدثنا عثمان ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يقول: "ما سمعنا أن نبيا قط قتل في القتال".

        1002 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا إسحاق ، قال: أخبرنا روح ، قال: حدثنا سعيد ، عن قتادة: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم يقول: "إن مات نبيكم أو قتل، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم".

        1003 - أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا الأثرم ، عن أبي عبيدة: انقلبتم على أعقابكم "كل من رجع عما كان عليه، فقد رجع على عقبيه".

        1004 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق: ومن ينقلب على عقبيه ; أي: "يرجع عن دينه " فلن يضر الله شيئا ; أي: "لن ينقص ذلك عن الله، ولا ملكه، ولا سلطانه، ولا قدرته " وسيجزي الله الشاكرين ; أي: "من أطاعه، وعمل بأمره" [ ص: 418 ] .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية