الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله جل وعز : الذين استجابوا لله والرسول  الآية

        1184 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج : الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، أخبرت أن أبا سفيان لما راح هو وأصحابه يوم أحد منقلبين ، قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم عائدون إلى المدينة يا رسول الله ، فقال : "إن ركبوا الخيل ، وتركوا الأثقال ، فهم عامدوها ، وإن جلسوا على الأثقال ، وتركوا الخيل ، فقد أرعبهم الله ، فليسوا بعامديها " فركبوا الأثقال ، ثم ندب ناسا يتبعونهم ، ليروا أن بهم قوة ، فاتبعوهم ليلتين ، أو ثلاثا ، ومنهم من يقول : إلى ذي الحليفة ، فلم يقاتلوهم إلا على إثرهم  ، فنزل : الذين استجابوا لله والرسول حتى أجر عظيم هم أيضا ، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية [ ص: 494 ] .

        1185 - حدثنا حاتم بن منصور ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : قالت لي عائشة : يا ابن أختي ، إن كان أبوك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح : أبو بكر ، والزبير بن العوام   .

        1186 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح قال : الجراحات .

        1187 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لما رجع أبو سفيان ومن معه ، نادى : إن موعدكم بدرا للعام القابل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل : نعم ، هي بيننا وبينك موعد ! ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب   .

        -قال إبراهيم بن سعد : وقد بلغني من غير ابن إسحاق أنه سعد بن أبي وقاص .

        [رجع إلى حديث ابن إسحاق ] فقال : اخرج في آثار القوم ، فانظر ما يصنعون ؟ وماذا يريدون ؟ فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل ، وساقوا الإبل ، فإنهم [ ص: 495 ] يريدون المدينة . والذي نفسي بيده ، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم ! .

        قال علي : فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون ، فلما اجتنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، ووجهوا إلى مكة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أي ذلك كان ، فأخفه حتى تأتيني .

        قال علي : فلما رأيتهم قد وجهوا إلى مكة ، أقبلت أصيح ، ما أستطيع أن أكتم الذي أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما بي من الفرح ، إذ رأيتهم انصرفوا عن المدينة .

        وفرغ الناس لقتلاهم;
        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا علي ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني ، أخو بني النجار : "من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع ، وسعد أخو بني الحارث بن الخزرج ، في الأحياء هو أو في الأموات ؟ "   . قال : فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل ! . فنظر ، فوجده جريحا في القتلى ، به رمق ، قال : فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر له في الأحياء أنت ، أم في الأموات ؟ . فقال : بل في الأموات ! . أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل : إن سعد بن الربيع يقول : جزاك الله عنا خير ما جزي نبي عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : [ ص: 496 ] إنه لا عذر لكم عند الله ، إن خلص إلى نبيكم ، ومنكم عين تطرف ! . قال : ثم لم يزل حتى مات . قال : فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره .

        1188 - قال محمد بن إسحاق : وكان يوم أحد يوم السبت ، النصف من شوال  ، فلما كان الغد ، من غد يوم أحد ، وذلك يوم الأحد ، لست عشرة ليلة مضت من شوال ، أذن مؤذن رسول الله في الناس ، لطلب العدو ، وأذن مؤذنه : أن لا يخرجن معنا أحد ، إلا أحد حضرنا يومنا بالأمس ، فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ، فقال : يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي ، سبع ، وقال لي : يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ، لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ، فتخلف على أخواتك ، فتخلفت عليهن . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج معه .

        وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ، وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ، ليظنوا به قوة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم   .

        1189 - فحدثنا علي ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، قال : فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان ، أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل ، كان شهد [أحدا] مع رسول الله ، قال : شهدت [ ص: 497 ] [أحدا] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي ، فرجعنا جريحين ، فلما أذن مؤذن رسول الله بالخروج في طلب العدو ، قلت [لأخي] ، أو قال لي : أتفوتنا غزوة مع رسول الله ؟ ! والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل ! ، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت أيسر جراح منه ، فكان إذا غلب حملته عقبة ، ومشى عقبة ، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، -وهي من المدينة على ثمانية أميال- فأقام بها ثلاثا ، الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة .

        فكان ما نزل من القرآن في ذلك الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أي : الجراح . وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله يوم أحد إلى حمراء الأسد  على ما بهم من الجراح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم
        .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية