الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
باب ذكر الآية الثانية من هذه السورة.

قال الله جل وعز : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم فللعلماء في هذه الآية ستة أقوال:  قال قتادة: "هي منسوخة" ، وذهب إلى أن المعنى صلوا كيف شئتم فإن المشرق والمغرب لله فحيث استقبلتم فثم وجه الله جل وعز لا يخلو منه مكان كما قال جل وعز ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية.

[ ص: 464 ] 28 - وقال ابن زيد: "كانوا أبيحوا أن يصلوا إلى أي قبلة شاءوا؛ لأن المشارق والمغارب لله جل وعز" فأنزل الله جل وعز فأينما تولوا فثم وجه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله تبارك وتعالى" يعني بيت المقدس فصلوا إليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليه بضعة عشر شهرا فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه فكره النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء .

قال أبو جعفر: فهذا قول.

29 - وقال مجاهد ، والضحاك في قوله جل وعز فأينما تولوا فثم وجه الله معناه أينما تولوا من مشرق أو مغرب فثم وجه الله التي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعلوا الآية [ ص: 465 ] ناسخة، وجعل قتادة ، وابن زيد الآية منسوخة.

30 - وقال إبراهيم النخعي: "من صلى في سفر في مطر وظلمة شديدة إلى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه فأينما تولوا فثم وجه الله " والقول الرابع أن قوما قالوا: لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي صلى عليه وكان يصلي إلى غير قبلتنا فأنزل الله جل وعز ولله المشرق والمغرب .

[ ص: 466 ] والقول الخامس أن المعنى ادعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولوا فثم وجه الله يستجب لكم

والقول السادس من أجلها قولا وهو أن المصلي في السفر على راحلته النوافل جائز له أن يصلي إلى القبلة وإلى غير القبلة.  

قال أبو جعفر: وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلك على صحته أنه:

[ ص: 467 ] 31 - قرئ على أحمد بن شعيب ، عن محمد بن المثنى ، وعمرو بن علي ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الملك ، قال: حدثنا سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على دابته وفي ذلك أنزل الله فأينما تولوا فثم وجه الله ".

32 - قال: وأخبرنا قتيبة ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به".

[ ص: 468 ] قال أبو جعفر: والصواب أن يقال: ليست الآية ناسخة ولا منسوخة لأن العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملة لغير النسخ وما كان محتملا لغير النسخ لم يقل فيه ناسخ ولا منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها فأما ما كان يحتمل المجمل والمفسر والعموم والخصوص فعن النسخ بمعزل ولا سيما مع هذا الاختلاف.

التالي السابق


الخدمات العلمية