الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقد أدخلت الآية الثالثة في الناسخ والمنسوخ.

[ ص: 428 ] باب ذكر الآية الثالثة .

قال تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فكانت هذه الآية ناسخة لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحد وقد قال تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ومعنى فلا يقربوا المسجد الحرام امنعوهم من دخوله فإنهم إذا دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام الحرم كله.

582 - كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي ، قال: حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال: حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال: " قوله تعالى: فلا يقربوا المسجد الحرام يريد الحرم كله " .

[ ص: 429 ] قال أبو جعفر: بعد عامهم هذا يعني سنة تسع وإن خفتم عيلة 583 - قال ابن عباس : " قالوا: إذا لم يحج الكفار خفنا الفقر إذا قل من نبايعه " واختلف العلماء في حكم هذه الآية وفي دخول المشركين الحرم  وسائر المساجد فقال عمر بن عبد العزيز ، ومالك بن أنس يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كل المساجد وهو قول قتادة قال: 584 - لأنهم نجس قال: "وقيل لهم نجس لأنهم لا يستحمون من جنابة وكذا لا يدخل المسجد جنب" فهذا قول وقال الشافعي: "يمنع المشركون جميعا من دخول الحرم ولا يمنعون من دخول سائر المساجد" وقال أبو حنيفة ، ويعقوب ، ومحمد ، وزفر "لا يمنع اليهود ولا النصارى من [ ص: 430 ] دخول المسجد الحرام ولا من سائر المساجد؛ لأن المشركين هم أهل الأوثان" فجعلوا قول الله تعالى: إنما المشركون نجس مخصوصا به من لا كتاب له .

قال أبو جعفر: وهذا القول في كتاب الله تعالى نصا ما يدل على خلافه قال تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد إلى قوله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون فهذا شيء قاطع فإن أشكل على أحد أنهم لم يجعلوا لله شريكا فكيف يقال لهم مشركون؟ قيل له لهذا نظائر في أصول الدين يعرفها أهل اللغة ويحتاج الناس جميعا إلى معرفتها وهي الأسماء الديانية وذلك أنه يقال آمن بكذا إذا صدق ثم قيل مؤمن لمن صدق بمحمد رسول الله وهو اسم دياني وكذا منافق اسم وقع بعد الإسلام وكذا لكل ما أسكر كثيره خمر اسم إسلامي كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 431 ] 585 - "كل مسكر خمر"  وكذا كل من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم مشرك،  وفي هذا قول آخر كان أبو إسحاق الزجاج يخرجه على أصول الاشتقاق المعروفة قال: لما كان محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء من البراهين بما لا يكون إلا من عند الله تعالى وكان من كفر به قد نسب ما لا يكون إلا من عند الله تعالى إلى غير الله تعالى كان مشركا .

التالي السابق


الخدمات العلمية