الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
والقول الثالث: يدل على صحته، ظاهر القرآن قال تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل من أول أمره يدعو إلى الله تعالى ويخبر أن الله تعالى لا يغفر الشرك ومع هذا فيقول صلى الله عليه وسلم في النصارى وهم أهل كتاب :

647 - "لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" فكيف يستغفر لمن هذه حاله أو يبجل أو يعظم بالدعاء له بالرحمة وأيضا فإن الشرك أعظم الذنوب وأشدها فكيف يدعى لأهله بالمغفرة ولم يصح أن الله تعالى أباح الاستغفار للمشركين  ولا فرضه ولا ينسخ إلا ما أبيح أو فرض [ ص: 492 ] فأما قول الله تعالى: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فقد قيل إن أباه وعده أنه يظهر إسلامه واستغفر له فلما لم يظهر إسلامه ترك الاستغفار له فإن قيل فما معنى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين فهل يكون هذا في العربية إلا بعد الاستغفار لهم؟ فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال يجوز أن يكون بعض المسلمين ظن أن هذا جائز فاستغفر لأبويه وهما مشركان فنزل هذا.

قال أبو جعفر: هذا لا يحتاج أن يقال فيه يجوز لأن فيه حديثا قد غاب عن هذا المجيب.

648 - حدثناه أحمد بن محمد الأزدي ، قال: حدثنا يزيد بن سنان ، قال: حدثنا محمد بن كثير ، قال: حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الخليل ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه قال: سمعت رجلا، يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له: " أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أليس قد استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه .

[ ص: 493 ] قال أبو جعفر: وهذا من أحسن ما روي في الآية، مع استقامة طريقه وصحة إسناده.

وعلى أن الزهري ، قد روى عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه، قال: 649 - دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها يوم القيامة" ، فقال له أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه وهما يعارضانه فكان آخر كلمة قالها على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى وأنزل في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .

" وحديث مسروق عن عبد الله على غير هذا في نزول الآية قال: [ ص: 494 ] 650 - كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجلس على قبر بين القبور فبكى حتى ارتفع نحيبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر مما بكيت يا رسول الله؟ قال: "على قبر آمنة بنت وهب  استأذنت ربي جل وعز في الاستغفار لها فأنزل علي ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية فدخلني ما يدخل الولد لوالديه فبكيت " .

قال أبو جعفر: وليست هذه الأحاديث بمتناقضة لأنه يجوز أن تكون الآية نزلت بعد هذا كله وليس في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر لمشرك.

[ ص: 495 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية