الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقد علم أن المعنى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم على ما أمرتم [ ص: 70 ] فلا يمتنع أن يكون ما أمرنا به من الإقساط إليهم وهو العدل فيهم،  ومن برهم أي: الإحسان إليهم بوعظهم، أو غير ذلك من الإحسان ثابتا، فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء: أن العدو إذا بعد وجب أن لا يقاتل حتى يدعى ويعرض عليه الإسلام  فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم .

875 - وقد روي عن، عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أنه كان إذا غزا قوما إلى بلاد الروم أمرهم ألا يقاتلوا حتى يدعوا من عزموا على قتاله إلى الإسلام.

فهذا قول مالك بن أنس في كل من عزم على قتاله وهو مروي عن حذيفة وقول الحسن ، والنخعي ، وربيعة ، والزهري ، والليث بن سعد أنه: لا يدعى [ ص: 71 ] من بلغته الدعوة وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق.

والقول الثاني: إنها مخصوصة في المؤمنين الذين لم يهاجروا مطعون فيه؛ لأن أول السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والكلام متصل فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوا لله وللمؤمنين .

والقول الثالث يرد بهذا فصح القول الرابع وفيه من الحجة أيضا أن بر المؤمن من بينه وبينه نسب أو قرابة من أهل الحرب غير منهي عنه ولا محرم؛ لأنه ليس في ذلك تقوية له ولا لأهل دينه بسلاح ولا كراع ولا فيه إظهار عورة للمسلمين .

والحجة الرابعة: أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابي لم يسع أحدا مخالفته ولا سيما إذا كان مع قوله توقيف بسبب نزول الآية .

876 - قال أبو جعفر: وقد وجدنا هذا حدثنا أحمد بن محمد الأزدي ، قال: [ ص: 72 ] حدثنا إسماعيل بن يحيى ، قال: حدثنا محمد بن إدريس ، عن أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن أسماء ابنة أبي بكر، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي مشركة أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك".

877 - حدثنا أحمد بن محمد ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني ، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج ، قال: حدثني عبد الله بن المبارك ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه، قال: "قدمت قتيلة ابنة العزى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا: سمن وتمر وقرظ، فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة عن ذلك [ ص: 73 ] فنزلت لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ".

قال أبو جعفر: فقد بان ما قلنا بهذين الحديثين وبما ذكرناه من الحجج .

[ ص: 74 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية