الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقد تكلم العلماء في الآية الثالثة عشرة.

[ ص: 519 ] باب ذكر الآية الثالثة عشرة.

قال جل وعز ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين هذه الآية من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ.  

فزعم جماعة من العلماء أنها غير منسوخة واحتجوا بها وبأشياء من السنن وزعم جماعة أنها منسوخة واحتجوا بآيات غيرها وبأحاديث من السنن.

فممن قال: إنها غير منسوخة مجاهد روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال:

77 - فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحل لأحد أن يقاتل أحدا في الحرم إلا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله" وهذا قول طاوس.

والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث:

78 - بما حدثناه أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا محمد بن رافع ، قال: حدثنا [ ص: 520 ] يحيى بن آدم ، قال: حدثنا مفضل ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرام حرمه الله جل وعز لم يحل فيه القتال لأحد قبلي وأحل لي ساعة وهو حرام بحرمة الله جل وعز".

وأما من قال: إنها منسوخة فمنهم قتادة.

79 - كما قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام ، عن أبي الأزهر ، قال: حدثنا روح ، عن سعيد ، عن قتادة ، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " فكان هذا كذا حتى نسخ فأنزل الله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي لا إله إلا الله عليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليها دعا فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين من أبى أن يقول: لا إله إلا الله، أن يقاتل حتى يقول لا إله إلا الله ".

[ ص: 521 ] قال أبو جعفر: وأكثر أهل النظر على هذا القول؛ إن الآية منسوخة وإن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسنة قال جل وعز فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين وقال جل وعز وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة وأما السنة:

80 - فحدثنا أحمد بن شعيب ، قال: أخبرنا قتيبة ، قال: حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر فقيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه".

[ ص: 522 ] 81 - وقرئ على محمد بن جعفر بن أعين ، عن الحسن بن بشر بن سلم الكوفي ، قال: حدثنا الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة ، عن أنس ، قال: "أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة يوم الفتح إلا أربعة من الناس: عبد العزى بن خطل ، ومقيس بن صبابة الكناني ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وأم سارة، فأما ابن خطل فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة " وذكر الحديث.

[ ص: 523 ] وقرأ أكثر الكوفيين (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم) وهذه قراءة بينة البعد وقد زعم قوم أنه لا يجوز القراءة بها؛ لأن الله جل وعز لم يفرض على أحد من المسلمين أن لا يقتل المشركين حتى يقتلوا المسلمين.

[ ص: 524 ] 82 - وقال الأعمش: "العرب تقول: قتلناهم أي قتلنا منهم.

قال أبو جعفر: فهذا أيضا المطالبة فيه قائمة غير أنه قد قرأ به جماعة والله جل وعز أعلم بمخرج قراءتهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية