الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقد تكلم العلماء من الصحابة وغيرهم بأجوبة مختلفة في الآية الخامسة عشرة.

[ ص: 530 ] باب ذكر الآية الخامسة عشرة قال جل وعز: كتب عليكم القتال وهو كره لكم فقال قوم: هي ناسخة لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكة وقال قوم: هي منسوخة  وكذا قالوا في قوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا والناسخة وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة .

[ ص: 531 ] وقال قوم: هي على الندب لا على الوجوب، وقال قوم: هي واجبة والجهاد فرض.

88 - وقال عطاء: هي فرض إلا أنها على غيرنا يعني أن الذي خوطب بها الصحابة قال أبو جعفر: فهذه خمسة أقوال، فأما القول الأول وهو أنها ناسخة فبين صحيح.

، وأما قول من قال: هي منسوخة فلا يصح؛ لأنه ليس في قوله جل وعز وما كان المؤمنون لينفروا كافة نسخ لفرض القتال وأما قول من قال: هي على الندب فغير صحيح؛ لأن الأمر إذا وقع بشيء لم يحمل على غير الواجب إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بدليل قاطع وأما قول عطاء: إنها فرض ولكنه فرض على الصحابة فقول مرغوب عنه وقد رده العلماء حتى قال الشافعي رحمه الله في إلزامه: من قال: [ ص: 532 ] وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولا تصلى صلاة الخوف بعده فعارضه بقوله جل وعز خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها .

فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال: هي على الندب؛ لأن الذي قال: هي على الندب قال: هي مثل قوله جل وعز كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية.

قال أبو جعفر: وهذا ليس على الندب وقد بيناه فيما تقدم، فأما قول من قال: إن الجهاد فرض بالآية فقوله صحيح وهو قول حذيفة ، وعبد الله بن عمرو وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضا واجبا؛ لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام .

89 - قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم والصلاة سهم، [ ص: 533 ] والزكاة سهم والصيام والحج سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم ونظير الجهاد في أنه فرض يقوم به بعض المسلمين عن بعض الصلاة على المسلمين إذا ماتوا ومواراتهم قال أبو عبيد: وعيادة المريض ورد السلام وتشميت العاطس وأما قول من قال: الجهاد نافلة، فيحتج بأشياء وهو قول ابن عمر ، وابن شبرمة ، وسفيان الثوري ومن حجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن عمر:

90 - بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت ".

[ ص: 534 ] قال أبو جعفر: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه قد روي عن ابن عمر أنه قال: " استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحا لما كان فيه أيضا حجة؛ لأنه يجوز أن يترك ذكر الجهاد هاهنا لأنه مذكور في القرآن، أو لأن بعض الناس يحمله عن بعض فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

91 - كما روى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" فسره العلماء أنه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرة كرهنا أن نطول الكتاب بها لأن فيما تقدم كفاية.

[ ص: 535 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية