قال الرافضي :
[1] الفصل الثاني
[2]
في أن الإمامية واجب الاتباع . مذهب
ومضمون ما ذكره : أن الناس اختلفوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم [3] ، فيجب النظر في الحق واعتماد الإنصاف ، : لأنه أحقها وأصدقها ; ولأنهم باينوا جميع الفرق في أصول العقائد ; ولأنهم جازمون بالنجاة لأنفسهم ; ولأنهم ومذهب الإمامية واجب الاتباع لأربعة أوجه [4] أخذوا دينهم عن الأئمة المعصومين [5]
وهذا حكاية لفظه :
قال الرافضي :
[ ص: 8 ] إنه [6] لما عمت البلية بموت النبي - صلى الله عليه وسلم ، واختلف الناس بعده ، وتعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم ، فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق ، وبايعه [7] أكثر الناس طلبا للدنيا ، كما اختار عمر بن سعد [8] ملك الري أياما يسيرة [9] لما خير بينه وبين قتل الحسين [10] مع علمه بأن من قتله في النار [11] ، وإخباره بذلك [12] في شعره [13] ; حيث يقول : [ ص: 9 ]
فوالله ما أدري وإني لصادق أفكر [14] في أمري [15] على خطرين أأترك ملك الري والري منيتي
أم [16] أصبح مأثوما بقتل حسين وفي قتله النار التي ليس دونها
حجاب وملك الري [17] قرة عيني
وبعضهم اشتبه الأمر عليه [18] ورأى [19] لطالب [20] الدنيا متابعا [21] فقلده [ وبايعه ] [22] وقصر في نظره ، فخفي عليه الحق ، فاستحق [23] المؤاخذة من الله [24] بإعطاء [25] الحق [ لغير ] [26] مستحقه بسبب إهمال النظر .
وبعضهم قلد لقصور فطنته [27] ، ورأى الجم الغفير ، [ ص: 10 ] فتابعهم [28] ، وتوهم أن الكثرة تستلزم الصواب ، وغفل عن قوله تعالى : ( وقليل ما هم ) ، [ سورة ص : 24 ] ، ( وقليل من عبادي الشكور ) ، [ سورة سبأ : 13 ] .
وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحق [ له ] [29] ، وبايعه الأقلون الذي أعرضوا عن الدنيا وزينتها ، ولم يأخذهم [30] في الله لومة لائم ، بل أخلصوا لله [31] واتبعوا ما أمروا به من طاعة من يستحق التقديم .
وحيث حصل [32] للمسلمين هذه البلية ، وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد الإنصاف ، وأن يقر الحق مستقره [33] ولا يظلم مستحقه ، فقد قال تعالى [34] : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) ، [ سورة هود : 18 ] .
وإنما كان مذهب الإمامية واجب الاتباع لوجوه [35] " . هذا لفظه .
[ ص: 11 ] فيقال : إنه [ قد ] [36] جعل المسلمين بعد نبيهم أربعة أصناف ، وهذا من أعظم الكذب ، فإنه لم يكن في الصحابة المعروفين أحد من هذه الأصناف الأربعة ، فضلا عن أن لا يكون فيهم أحد إلا من هذه الأصناف : إما طالب للأمر [37] بغير حق [38] في زعمه ، وإما طالب للأمر بحق كأبي بكر في زعمه ، وهذا كذب على كعلي - رضي الله عنه - وعلى علي - رضي الله عنه أبي بكر [39] - ، فلا طلب الأمر لنفسه قبل قتل علي ، ولا عثمان طلب الأمر لنفسه ، فضلا عن أن يكون طلبه بغير حق . وجعل القسمين الآخرين : [ إما مقلدا لأجل الدنيا ] أبو بكر [40] ، وإما مقلدا لقصوره في النظر .
وذلك أن ، وهذا [ هو ] الإنسان يجب عليه أن يعرف الحق وأن يتبعه [41] الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم [42] من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وهذا هو الصراط الذي أمرنا الله أن نسأله [43] هدايتنا إياه في كل صلاة ، بل في كل ركعة .
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اليهود مغضوب [ ص: 12 ] عليهم والنصارى ضالون [44] " . وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه استكبارا وحسدا وغلوا واتباعا للهوى ، وهذا هو الغي ، والنصارى ليس لهم علم بما يفعلونه من العبادة والزهد والأخلاق ، بل فيهم الجهل والغلو والبدع والشرك جهلا منهم ، وهذا هو الضلال ، وإن كان كل من الأمتين فيه ضلال وغي ، لكن الغي أغلب على اليهود ، والضلال أغلب على النصارى .
ولهذا وصف الله اليهود بالكبر والحسد ، واتباع الهوى والغي وإرادة العلو في الأرض [45] والفساد . قال تعالى : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) ، [ سورة البقرة : 87 ] ، وقال تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) ، [ سورة النساء : 54 ] ، وقال : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ) [ ص: 13 ] ، [ سورة الأعراف : 146 ] ، وقال تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) ، [ سورة الإسراء : 4 ] .
ووصف النصارى بالشرك والضلال والغلو والبدع ، فقال تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) ، [ سورة التوبة : 31 ] ، وقال تعالى : ( قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) ، [ سورة المائدة : 77 ] ، وقال تعالى : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ) ، [ سورة الحديد : 27 ] ، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع .
وقد نزه الله نبيه عن الضلال والغي ، فقال : ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ) ، [ سورة النجم : 1 - 3 ] [46] ، ، وقال تعالى : ( فالضال الذي لا يعرف الحق ، والغاوي الذي يتبع هواه واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) ، [ سورة ص : 45 ] ، فالأيدي القوة [47] في طاعة الله ، والأبصار البصائر في الدين .
وقال تعالى : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
وإذا كان الصراط المستقيم لا بد فيه من العلم بالحق والعمل به ، [ ص: 14 ] وكلاهما [48] واجب ، لا يكون الإنسان مفلحا ناجيا إلا بذلك ، وهذه الأمة خير الأمم ، وخيرها القرن الأول [49] ، كان القرن الأول أكمل الناس في العلم النافع والعمل الصالح .
وهؤلاء المفترون وصفوهم بنقيض ذلك ، بأنهم لم يكونوا يعلمون الحق ويتبعونه ، بل كان أكثرهم عندهم يعلمون الحق ويخالفونه ، كما يزعمونه في الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة والأمة ، وكثير منهم عندهم لا يعلم الحق ، بل اتبع الظالمين تقليدا لعدم نظرهم المفضي إلى العلم ، والذي لم ينظر قد يكون تركه النظر لأجل الهوى وطلب الدنيا ، وقد يكون لقصوره ونقص إدراكه .
وادعى أن منهم من طلب الأمر لنفسه بحق ، يعني عليا [50] ، وهذا مما علمنا بالاضطرار أنه لم يكن ، فلزم من ذلك - على قول هؤلاء - أن تكون الأمة كلها [ كانت ] [51] ضالة بعد نبيها [52] ليس فيها مهتد ، فتكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرا منهم ; لأنهم [ كانوا ] [53] ، كما قال الله [ تعالى ] [54] : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) ، [ سورة الأعراف : 157 ] ، وقد اليهود والنصارى [ ص: 15 ] افترقت على اثنتين وسبعين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن [55] فرقة فيها واحدة ناجية [56] ، وهذه الأمة على موجب ما ذكر [57] لم يكن فيهم بعد موت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] [58] أمة تقوم بالحق [59] ولا تعدل به .
وإذا لم يكن ذلك في خيار قرونهم ، ففيما بعد ذلك أولى . فيلزم من ذلك أن يكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرا من خير أمة أخرجت للناس ، فهذا لازم لما يقوله هؤلاء المفترون .
فإن كان هذا في حكايته لما جرى عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 16 ] من [60] اختلاف الأمة ، فكيف [ بسائر ] [61] ما ينقله ويستدل به ؟