الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين [1] . هم من صلى [ إلى ] [2] . [ ص: 27 ] القبلتين ، وهذا ضعيف ، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ; ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ; ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي ، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة ، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على [3] . من لم يدركه [4] ، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم [5] ، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم [6] ، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد ، أو قبل أن يفرض ، هم سابقون على من أسلم بعدهم ، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان ، هم سابقون على من أسلم بعدهم ، والذين أسلموا قبل أن يفرض [7] . الحج ، هم سابقون على من تأخر عنهم ، [ والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم ] [8] ، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك ، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا ، وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة [9] . فهو سابق على من تأخر عنه ، وله بذلك فضيلة ، ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده [10] . هي من هذا الباب .

                  [ ص: 28 ] وليس مثل هذا مما [11] . يتميز به السابقون الأولون عن التابعين ، إذ ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعله [12] . خيرا من بعض ; ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم [13] . أهل الحديبية ، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص .

                  وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعلي [14] . وطلحة والزبير ، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - [ بيده ] [15] . عن عثمان ; لأنه كان [16] . غائبا قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته ، وبسببه بايع [ النبي - صلى الله عليه وسلم ] [17] . الناس لما بلغه أنهم قتلوه .

                  وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر [ بن عبد الله ] [18] . - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [19] : " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة . [20] " .

                  [ ص: 29 ] وقال تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ) [ سورة التوبة : 117 ] [21] ، فجمع بينهم وبين الرسول في التوبة .

                  وقال [ تعالى ] [22] . : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ) [ سورة الأنفال : 72 ] [23] . إلى قوله : ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) [ سورة الأنفال : 75 ] ، فأثبت الموالاة [24] . بينهم .

                  وقال للمؤمنين : [ ص: 30 ] ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ سورة المائدة : 51 ] إلى قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [ المائدة : 55 - 56 ] [25] ، وقال : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) [ سورة التوبة : 71 ] ، فأثبت الموالاة بينهم ، وأمر بموالاتهم ، والرافضة تتبرأ [26] . منهم ، ولا تتولاهم [27] ، وأصل الموالاة المحبة ، وأصل المعاداة البغض ، وهم يبغضونهم ولا يحبونهم .

                  وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة [28] ، وهذا كذب [29] . بإجماع أهل العلم [ بالنقل ] [30] ، وكذبه بين [31] ، من وجوه كثيرة :

                  منها : أن قوله ( الذين ) صيغة جمع ، وعلي واحد .

                  ومنها : أن ( الواو ) [32] . ليست واو الحال ، إذ لو كان كذلك لكان [ ص: 31 ] لا يسوغ [33] . أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع ، فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة [34] \ 5 .

                  ومنها : أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب [35] ، وإيتاء [36] . الزكاة في نفس الصلاة ليس واجبا ولا مستحبا [ باتفاق علماء الملة ] [37] . فإن في الصلاة شغلا .

                  ومنها : أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسنا ، لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن .

                  ومنها : أن عليا لم يكن عليه زكاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم .

                  ( * ومنها : أنه لم يكن له أيضا خاتم ، ولا كانوا يلبسون الخواتم ، حتى كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا إلى كسرى ، فقيل له : إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما ، فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيها : محمد رسول الله * ) [38] .

                  ومنها : أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم ، فإن أكثر الفقهاء يقولون : لا يجزئ [39] . إخراج الخاتم في الزكاة .

                  ومنها : أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل [40] ، والمدح في الزكاة أن [ ص: 32 ] يخرجها ابتداء ويخرجها على الفور ، لا ينتظر أن يسأله سائل .

                  ومنها : أن الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار ، والأمر بموالاة المؤمنين ، كما يدل عليه سياق الكلام .

                  وسيجيء إن شاء الله تمام الكلام على هذه الآية ، فإن الرافضة لا يكادون يحتجون بحجة إلا كانت [ حجة ] [41] . عليهم لا لهم ، كاحتجاجهم بهذه الآية على الولاية التي هي الإمارة ، وإنما هي في الولاية التي هي ضد العداوة ، والرافضة مخالفون لها .

                  [42]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية