الخامس عشر [1] : النصارى أثبتوا أقانيم وقالوا : إنها ثلاثة أن [2] جواهر يجمعها جوهر واحد ، وإن كل واحد إله [3] يخلق ويرزق ، والمتحد بالمسيح هو أقنوم الكلمة والعلم وهو الابن . وهذا القول متناقض في نفسه ، فإن المتحد إن كان صفة فالصفة لا تخلق ولا ترزق ، وهي أيضا لا تفارق الموصوف ، وإن كان هو الموصوف فهو الجوهر الواحد وهو الأب [4] فيكون المسيح هو الأب ، وليس هذا قولهم ، [ ص: 498 ] فأين [5] هذا ممن يقول : الإله [6] واحد وله الأسماء الحسنى الدالة على صفاته العلى [7] ولا يخلق غيره ولا يعبد سواه ؟ ! فبين المذهبين من الفرق أعظم مما بين [8] القدم والفرق .
الجهمية على المثبتة أن ومما افترته لما كان من المثبتين للصفات وصنف الكتب في الرد على النفاة وضعوا على أخته حكاية أنها كانت ابن كلاب [9] نصرانية وأنه لما أسلم هجرته ، فقال لها : يا أختي إني أريد أن أفسد دين المسلمين ، فرضيت عنه لذلك [10] .
ومقصود المفتري بهذه [11] الحكاية أن يجعل قوله بإثبات الصفات هو قول النصارى ، وأخذ هذه الحكاية [ بعض السالمية و ] [12] بعض أهل الحديث والسنة يذم بها لما أحدثه ابن كلاب [13] من القول في مسألة القرآن ، ولم يعلم أن الذين عابوه بها [14] هم أبعد عن الحق في مسألة القرآن وغيرها منه ، وأنهم عابوه بما تمدح أنت قائله [15] . وعيب ابن [ ص: 499 ] كلاب عندك كونه لم يكمل القول به [16] ، بل بقيت عليه [ بقية ] [17] من كلامهم .
وهذا نظير ما عمله في مسألة القرآن ، فإنه أخذ كلام ابن عقيل المعتزلة الذي طعنوا به على الأشعرية في كونهم يقولون : هذا القرآن ليس كلام الله بل عبارة عنه ، فطعن به هو [18] على الأشعرية . [ ومقصود المعتزلة بذلك إثبات أن القرآن مخلوق ، والأشعرية ] [19] خير منهم [20] في نفي الخلق عن القرآن ، ولكن عيبهم [ في ] تقصيرهم في إكمال السنة [21] .
[ وكذلك بعض أهل الحديث السالمية المصنفين في مثالب ابن كلاب والأشعري وابن كرام ذكروا حكايات بعضها كذب قطعا ، وهي مما وضعته المعتزلة أعداء هؤلاء عليهم ، لكونهم يثبتون الصفات والقدر ، فجاء هؤلاء فذكروا تلك الحكايات ، ومقصودهم التنفير عما اعتقدوا في أقوالهم من الخطاء ، وتلك الحكايات وضعها من هو أبعد عن السنة منهم . وكذلك السالمية أتباع الشيخ أبي الحسن بن سالم هم في غالب أصولهم على قول أهل السنة والجماعة ، لكن لما وقع في بعض أقوالهم من الخطاء زاد في الرد عليهم من صنف في الرد عليهم ، حتى رد عليهم قطعة مما قالوه من الحق ] [22] .