[ ص: 552 ] الوجه [1] الرابع : أنهم لو قصدوا التركيب [2] فإنما قصدوه فيما كان غليظا كثيفا ، فدعوى المدعي عليهم أنهم يسمون كل ما يشار إليه جسما ، ويقولون مع ذلك : إنه مركب دعوتان باطلتان .
[3] فهو مصيب في المعنى ، لكن أخطأ في اللفظ . وجمهور المسلمين الذين يقولون : ليس بجسم ، يقولون : من قال : إنه جسم وأراد بذلك أنه موجود أو قائم بنفسه ( أو نحو ذلك ، أو قال : إنه جوهر وأراد بذلك أنه قائم بنفسه )
وأما إذا أثبت [4] أنه مركب من الجواهر الفردة [5] ونحو ذلك فهو مخطئ في المعنى ، وفي تكفيره نزاع بينهم .
ثم القائلون بأن الجسم مركب من الجواهر الفردة [6] قد تنازعوا في مسماه ، فقيل : الجوهر الواحد بشرط انضمام غيره إليه يكون جسما وهو قول القاضي والقاضي أبي بكر أبي يعلى وغيرهما .
[7] وقيل : بل الجوهران فصاعدا . وقيل : بل أربعة فصاعدا . وقيل : بل ستة فصاعدا . وقيل : بل ثمانية فصاعدا . وقيل : بل ستة عشر . وقيل : بل اثنان وثلاثون . وقد ذكر عامة هذه الأقوال في كتاب " مقالات الإسلامين ن الأشعري [8] واختلاف المصلين " [9] .
[ ص: 553 ] فقد تبين أن في هذا اللفظ من المنازعات اللفظية [10] اللغوية والاصطلاحية والعقلية والشرعية ما يبين أن ، كما أمرهم الله تعالى بذلك في قوله : ( الواجب على المسلمين الاعتصام بالكتاب والسنة واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ سورة آل عمران : 103 ] ، وقوله تعالى : ( المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) [ سورة الأعراف : 1 - 3 ] ، وقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ سورة الأنعام : 153 ] ، وقوله : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) [ سورة البقرة : 213 ] ، وقوله : ( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ) [ سورة [ ص: 554 ] النساء : 59 - 61 ] ، وقوله : ( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) [ سورة طه : 123 - 126 ] . قال رضي الله عنهما : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ هذه الآية ، ومثل هذا كثير من الكتاب والسنة ، وهذا مما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها . ابن عباس