فصل .
[1] : قال الخصم : القادر يمتنع أن يرجح مقدوره قال الرافضي [2] من غير مرجح ، ومع الترجيح [3] يجب الفعل فلا قدرة [ ص: 266 ] ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله [4] ؛ ولقوله تعالى : والله خلقكم وما تعملون [ سورة الصافات : 96 ] .
قال : [5] والجواب عن الأول المعارضة بالله تعالى ، فإنه تعالى [6] قادر ، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح ، وكان المرجح موجبا للأثر لزم أن يكون الله [7] موجبا لا مختارا ، فيلزم [8] الكفر . والجواب عن الثاني [9] : أي شركة هنا والله هو القادر على قهر العبد وإعدامه ، ومثل [10] هذا أن السلطان إذا ولى شخصا بعض البلاد [11] فنهب وظلم وقهر [12] فإن السلطان متمكن [13] من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه [14] ، وليس [15] يكون شريكا للسلطان . والجواب عن الثالث [16] أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها ، فأنكر عليهم وقال : أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون [ سورة الصافات : 95 ، 96 ] .
[ ص: 267 ] فيقال : لم يذكر [17] إلا شيئا يسيرا ، ولم يذكر تقرير أدلتهم على وجهها ، ومع هذا فالأدلة الثلاثة التي ذكرها لهم [18] ليس عنها جواب صحيح .
أما الأول فإن المستدل بذلك الدليل لا يقول [ إنه ] [19] إذا وجب الفعل فلا قدرة ، فإن أهل الإثبات يقولون : إن العبد له قدرة .
وهذا مذهب عامة [20] أهل السنة حتى غلاة المثبتين [21] للقدر كالأشعرية ، فإنهم متفقون على أن العبد له قدرة .
وهذا الدليل المذكور قد احتج به أبو عبد الله الرازي وغيره ، وهو يصرح بأنه يقول بالجبر ، ومع هذا فإنه يقول : إن [22] للعبد قدرة ، وإن كانوا متنازعين هل هي مؤثرة في مقدورها [23] ، أو في بعض صفاته ، أو لا تأثير لها .
[ قال أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة [24] : إن الفعل لا يكفي فيه مجرد القدرة ، بل يتوقف على الداعي ، فيقولون : إن القادر المختار لا [ ص: 268 ] يرجح بمجرد القدرة ، بل بداع يقرن مع القدرة ، كما يقول ذلك أكثر المثبتين للقدر ، فإنهم يقولون : إن الرب تعالى لا يرجح بمجرد القدرة ، بل بإرادة مع القدرة .
وكذلك يقول كثير منهم في حق العبد : لا يرجح بمجرد القدرة ، ( 1 بل بداع مع القدرة . 1 ) [25] وقد قال هذا كثير من أصحاب الأئمة الأربعة ، وقاله من أصحاب أحمد القاضي أبو خازم [26] بن القاضي أبي يعلى ] [27] .
وقد تقدم أن القول الوسط في ذلك أن لها تأثيرا من جنس تأثير [28] الأسباب في مسبباتها ليس لها تأثير الخلق والإبداع ولا وجودها كعدمها .
وتوجيه هذا الدليل [29] أن القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه [30] إلا بمرجح [ وذلك أنه [31] إذا كان الفعل والترك نسبتهما إلى القادر سواء كان ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح ، وهذا ممتنع في بدائه [32] العقول .
وهذا مبسوط في موضع آخر ، وتبين فيه [33] خطأ من زعم أن القادر [ ص: 269 ] يرجح أحد المقدورين المتماثلين بلا مرجح ] [34] وذلك المرجح لا يكون من العبد ؛ لأن القول فيه كالقول في فعل العبد ، فإن كان المرجح له قدرة العبد ، فالقادر لا يرجح إلا بمرجح ، فلا بد أن يكون المرجح [ من الله ، وعند وجود المرجح ] [35] يجب وجود الفعل [36] وإلا لم يكن مرجحا تاما ، فإنه إذا كان بعد وجود المرجح يجوز [37] وجود الفعل وعدمه كما كان قبل المرجح كان ممكنا ، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح ، فلا بد من مرجح تام يجب عنده وجود الفعل .
وإذا كان العبد لا يحصل فعله إلا بمرجح من الله تعالى ، وعند وجود ذلك المرجح يجب وجود [38] الفعل - كان فعله كسائر الحوادث التي تحدث بأسباب يخلقها الله تعالى يجب وجود الحادث عندها .
وهذا معنى كون الرب [ تبارك وتعالى ] خالقا [39] لفعل العبد ، ومعنى ذلك أن ، وعند وجودهما الله تعالى يخلق في العبد القدرة التامة والإرادة الجازمة [40] يجب وجود الفعل ؛ لأن [41] هذا سبب تام للفعل ، فإذا وجد السبب التام وجب وجود المسبب .
[ ص: 270 ] والله هو الخالق للمسبب [42] أيضا ، كما أنه إذا خلق النار في الثوب فإنه لا بد [43] من وجود الحريق عقيب [44] ذلك ، والكل مخلوق لله تعالى .