الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وشرك هؤلاء المتفلسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم ، فإن هؤلاء يجعلون [1] الفلك هو المحدث للحوادث التي في الأرض كلها ، فلم يجعلوا لله شيئا أحدثه ، [2] بخلاف القدرية فإنهم أخرجوا عن إحداثه أفعال الحيوان وما تولد عنها . فقد لزمهم التعطيل من إثبات حوادث بلا محدث وتعطيل الرب عن [3] إحداث شيء من الحوادث ، وإثبات شريك فعل جميع الحوادث .

                  [ ص: 283 ] ومن العجب أنهم ينكرون على القدرية [ وغيرهم ] [4] قولهم : إن الرب ما زال عاطلا عن الفعل حتى أحدث العالم ، وهم يقولون : ما زال ولا يزال معطلا عن الإحداث ، بل عن الفعل ، فإن ما لزم ذاته كالعقل [5] والفلك ليس هو في الحقيقة فعلا له ؛ إذ الفعل لا يفعل [6] إلا شيئا بعد شيء ، فأما ما لزم الذات [7] فهو من باب الصفات بمنزلة لون [8] الإنسان وطوله ، فإنه يمتنع أن يكون فعلا له ، بخلاف حركاته [9] فإنها فعل له ، وإن قدر أنه لم يزل متحركا كما يقال في نفس الإنسان [10] : إنها لم تزل تتحول [11] من حال إلى حال ، وإن القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا [12] - فكون [13] الفاعل الذي هو في نفسه يقوم به فعله [14] يحدث شيئا بعد شيء معقول ، [15] بخلاف ما لزمه لازم يقارنه في الأزل ، فهذا لا يعقل أن يكون مفعولا له .

                  فتبين أنهم في الحقيقة لا يثبتون للرب فعلا أصلا ، فهم معطلة حقا [ ص: 284 ] وأرسطو وأتباعه إنما أثبتوا [16] العلة الأولى من جهة كونها [17] علة غائية ، [18] كحركة الفلك ، فإن حركة الفلك عندهم بالاختيار كحركة الإنسان ، والحركة الاختيارية لا بد لها من مراد ، فيكون هو مطلوبها .

                  [ ومعنى ذلك عندهم أن الفلك يتحرك للتشبه [19] بالعلة الأولى كحركة المؤتم بإمامه والمقتدي [20] بقدوته ، وهذا معنى تشبيهه بحركة المعشوق للعاشق ، ليس المعنى أن ذات الله محركة للفلك ، إنما مرادهم أن مراد الفلك أن يكون مثله بحسب الإمكان ، وهذا باطل من وجوه لبسطها موضع آخر ] [21] .

                  فقالوا : إن العلة الأولى وهي [22] التي يتحرك الفلك لأجلها [23] علة له تحركه [24] كما تحرك العاشق للمعشوق [25] بمنزلة الرجل الذي اشتهى طعاما [26] ، فمد يده إليه أو رأى من يحبه ، فسعى إليه - فذاك [27] المحبوب هو المحرك ؛ لكون المتحرك أحبه ، لا لكونه أبدع الحركة ولا فعلها .

                  [ ص: 285 ] وحينئذ فلا يكون [28] قد أثبتوا لحركة الفلك محدثا أحدثها غير الفلك ، كما [ لم ] [29] تثبت القدرية لأفعال الحيوان محدثا أحدثها [30] غير الحيوان ؛ ولهذا كان الفلك عندهم حيوانا كبيرا ، بل يقولون : إن الفلك يتحرك للتشبه [31] بالعلة الأولى ؛ لأن [32] العلة الأولى معبودة له محبوبة له .

                  ولهذا قالوا : إن الفلسفة هي التشبه بالإله [33] على حسب الطاقة . ففي الحقيقة ليس عندهم الرب : لا إلها للعالم [34] ولا ربا للعالمين [ بل [35] غاية ما يثبتونه أنه [36] يكون شرطا في وجود العالم ] [37] وأن كمال المخلوق في أن يكون متشبها به ، [38] فهذا هو الألوهية عندهم ، وذلك هو الربوبية [39] ؛ ولهذا كان قولهم شرا من قول اليهود والنصارى ، وهم أبعد عن المعقول والمنقول منهم ، كما قد بسط في غير هذا الموضع [40] .

                  [ ص: 286 ] فتبين أن هؤلاء المتفلسفة قدرية في جميع حوادث العالم ، وأنهم من أضل بني آدم ؛ ولهذا يضيفون الحوادث إلى الطبائع التي في الأجسام ، فإنها [41] بمنزلة القوى التي في الحيوان ، فيجعلون كل محدث فاعلا مستقلا ، كالحيوان عند القدرية ، ولا يثبتون محدثا للحوادث [42] .

                  وحقيقة قول القوم [43] الجحود لكون الله رب العالمين ، [44] ( 4 فلا يثبتون أن يكون الله رب العالمين 4 ) [45] ، بل غايتهم [46] أن يجعلوه [47] شرطا في وجود العالم ، وفي التحقيق هم معطلة لكون الله رب العالمين ، كقول من قال : إن الفلك واجب الوجود [ بنفسه ] [48] منهم .

                  لكن هؤلاء أثبتوا علة [49] إما غائية عند قدمائهم ، وإما فاعلية عند متأخريهم ، وعند التحقيق لا حقيقة لما أثبتوه [50] ؛ ولهذا أنكره الطبائعيون [51] منهم .

                  وإذا قدر أن الفلك يتحرك باختياره من غير أن يكون الله خالقا لحركته ، فلا دليل على [52] أن المحرك له علة [53] معشوقة يتشبه بها ، بل يجوز [ ص: 287 ] أن يكون المتحرك هو المحرك ، كما قد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع ، وتبين [54] الكلام على [ بطلان ] ما ذكره [55] أرسطو في العلم الإلهي من وجوه متعددة ، وأن هؤلاء من أجهل الناس بالله [ عز وجل ] . [56]

                  ومن دخل في أهل الملل [ منهم ] [57] كالمنتسبين إلى الإسلام كالفارابي وابن سينا ونحوهما من ملاحدة [58] المسلمين ، وموسى بن ميمون ونحوه من ملاحدة اليهود ، ومتى ويحيى بن عدي ونحوهما من ملاحدة النصارى - فهم مع كونهم من ملاحدة أهل الملل ، فهم أصح عقلا [59] ونظرا في العلم الإلهي من المشائين كأرسطو وأتباعه ، وإن كان لأولئك من تفصيل الأمور الطبيعية والرياضية أمور كثيرة سبقوا هؤلاء إليها [60] .

                  فالمقصود هنا أن الأمور الإلهية أولئك أجهل بها وأضل فيها ، [61] فإن هؤلاء حصل لهم نوع ما من نور أهل الملل وعقولهم [62] وهداهم ، فصاروا به أقل ظلمة من أولئك ؛ ولهذا عدل ابن سينا عن طريقة سلفه في إثبات العلة الأولى ، وسلك الطريقة المعروفة له [ في تقسيم الوجود إلى واجب وممكن ، وأن الممكن مستلزم للواجب .

                  [ ص: 288 ] وهذه الطريقة هي المعروفة له ] [63] ولمن اتبعه كالسهروردي [64] المقتول ونحوه من الفلاسفة ، [ وأبي حامد ] والرازي [65] والآمدي وغيرهم [66] من متأخري [ أهل ] الكلام ، [67] الذين خلطوا الفلسفة بالكلام .

                  [ وهؤلاء المتكلمون المتأخرون الذين خلطوا الفلسفة بالكلام ] [68] : ( * كثر [69] اضطرابهم وشكوكهم وحيرتهم بحسب ما ازدادوا به من ظلمة هؤلاء [70] المتفلسفة الذين خلطوا الفلسفة بالكلام * ) [71] فأولئك قلت ظلمتهم بما دخلوا فيه من كلام أهل الملل ، وهؤلاء كثرت ظلمتهم بما دخلوا فيه من كلام أولئك المتفلسفة .

                  هذا مع أن في المتكلمين من أهل الملل من الاضطراب والشك في أشياء ، والخروج عن الحق في مواضع ، واتباع الأهواء [72] في مواضع ، والتقصير في الحق في مواضع - ما ذمهم لأجله علماء الملة وأئمة الدين ، [73] فإنهم قصروا في [74] معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه ، فعدلوا [ ص: 289 ] عنها إلى طرق [75] أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك [ بينهم وبين غيرهم ] [76] ، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع ، [77] وأخرجوا من [78] التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية ، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته ، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية ، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وربه [79] .

                  وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [ سورة لقمان : 25 ] وقال تعالى : قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله الآيات [80] [ سورة المؤمنون : 86 ، 87 ] .

                  وقال عنهم وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ سورة يوسف : 106 ] .

                  قال طائفة من السلف : يقول لهم [81] من خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون : الله ، وهم مع هذا [82] يعبدون غيره .

                  وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية ، المتضمن [ ص: 290 ] لتوحيد [83] الربوبية ، بأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا ، [84] فيكون الدين كله لله ، ولا يخاف إلا الله ، ولا يدعى [85] إلا الله ، ويكون الله أحب إلى العبد [86] من كل شيء ، فيحبون لله ، ويبغضون لله ، ويعبدون الله ويتوكلون عليه [87] .

                  والعبادة تجمع غاية الحب وغاية الذل ، [88] فيحبون الله بأكمل محبة ، ويذلون له [89] أكمل ذل ، ولا يعدلون به ، ولا يجعلون له أندادا ، ولا يتخذون من دونه أولياء ولا شفعاء .

                  كما قد بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع ، وهو قطب رحى القرآن الذي يدور عليه [ القرآن ] [90] وهو يتضمن التوحيد في العلم والقول ، والتوحيد في الإرادة والعمل .

                  فالأول كما في قوله تعالى : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [ سورة الإخلاص ] . ولهذا كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن ؛ لأنها صفة الرحمن .

                  والقرآن ثلثه توحيد ، وثلثه قصص ، وثلثه أمر ونهي ؛ لأنه كلام الله ، والكلام إما إنشاء وإما إخبار ، والإخبار إما عن الخالق وإما عن [ ص: 291 ] المخلوق ، فصار ثلاثة أجزاء : جزء أمر ونهي وإباحة وهو الإنشاء ، وجزء إخبار عن المخلوقين [91] ، وجزء إخبار عن الخالق ، ف " قل هو الله أحد " صفة الرحمن [ محضا ] [92] .

                  [ وقد بسطنا الكلام على تحقيق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنها تعدل ثلث القرآن [93] في مجلد [94] ، وفي تفسيرها في مجلد آخر [95] ] [96] .

                  و [ أما ] التوحيد في [ العبادة و ] الإرادة والعمل [97] فكما في سورة : قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين [ سورة .

                  [ ص: 292 ] الكافرون ] . فالتوحيد [ الأول ] [98] يتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته ، و [ الثاني ] : يتضمن [99] إخلاص الدين له كما قال : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ سورة البينة : 5 ] فالأول براءة من التعطيل ، والثاني براءة من الشرك [100] وأصل الشرك [101] : إما التعطيل [102] مثل تعطيل [103] فرعون موسى ، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم إبراهيم ، [104] والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى بن مريم [ صلى الله عليه وسلم ] [105] ، وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل ، وأهله خصوم جمهور [106] الأنبياء .

                  وفي خصوم إبراهيم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - معطلة ومشركة ، لكن التعطيل المحض [ للذات ] [107] قليل ، وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال ، وهو مستلزم لتعطيل الذات ، فإنهم يصفون واجب الوجود بما يوجب [108] أن يكون ممتنع الوجود .

                  [ ص: 293 ] ثم إنه [ كل ] من كان [109] إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] [110] وأصحابه والتابعين لهم بإحسان أقرب ، كان أقرب إلى كمال التوحيد والإيمان والعقل والعرفان ، وكل من كان عنهم أبعد كان عن ذلك أبعد ، [111] فمتأخرو متكلمة الإثبات الذين [112] خلطوا الكلام بالفلسفة كالرازي والآمدي ونحوهما هم [ دون أبي المعالي الجويني وأمثاله في تقرير التوحيد وإثبات صفات الكمال ، وأبو المعالي وأمثاله دون القاضي أبي بكر بن الطيب [113] وأمثاله ] [114] في ذلك ، وهؤلاء دون أبي الحسن الأشعري في ذلك ، والأشعري في ذلك دون أبي محمد [115] بن كلاب ، وابن كلاب دون السلف والأئمة في ذلك .

                  ومتكلمة أهل الإثبات الذين يقرون بالقدر هم خير في التوحيد وإثبات صفات [ الكمال ] [116] من القدرية من المعتزلة والشيعة وغيرهم ؛ [117] لأن أهل الإثبات يثبتون لله كمال القدرة وكمال المشيئة وكمال الخلق وأنه منفرد [ ص: 294 ] بذلك ، فيقولون : إنه وحده [118] خالق كل شيء من الأعيان والأعراض ؛ ولهذا جعلوا أخص صفة الرب القدرة على الاختراع ، والتحقيق أن القدرة على الاختراع من جملة خصائصه ، ليست هي وحدها أخص [119] صفاته .

                  وأولئك يخرجون أفعال [120] الحيوان عن أن تكون مخلوقة له ، وحقيقة قولهم [121] تعطيل هذه الحوادث عن خالق لها ، وإثبات شركاء لله يفعلونها [ وكثير من متأخرة القدرية يقولون : إن العباد خالقون لها ، ولم يكن سلفهم يجترئون على ذلك [122] ] [123] .

                  وأيضا فمتكلمة أهل [ الإثبات ] [124] يثبتون لله صفات الكمال كالحياة [125] والعلم والقدرة والكلام [126] والسمع والبصر .

                  وهؤلاء يثبتون [127] ذلك لكن قصروا في بعض صفات الكمال ، وقصروا في التوحيد ، فظنوا أن كمال التوحيد هو توحيد الربوبية ، ولم يصعدوا إلى توحيد الإلهية الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب .

                  [ ص: 295 ] وذلك أن كثيرا من كلامهم أخذوه من كلام المعتزلة ، والمعتزلة مقصرون في هذا الباب ، فإنهم لم يوفوا توحيد [128] الربوبية حقه ، فكيف بتوحيد الإلهية .

                  ومع هذا فأئمة المعتزلة وشيوخهم وأئمة الأشعرية والكرامية ونحوهم خير في تقرير توحيد الربوبية من متفلسفة الأشعرية كالرازي والآمدي وأمثال هؤلاء ، فإن هؤلاء خلطوا ذلك بتوحيد الفلاسفة كابن سينا [129] وأمثاله ، وهو أبعد الكلام عن التحقيق في التوحيد ، وإن كان خيرا من كلام قدمائهم أرسطو وذويه .

                  وذلك أن غايتهم أنهم أثبتوا [130] واجب الوجود ، وهذا حق لم ينازع [131] فيه لا معطل ولا مشرك ، [132] بل الناس متفقون على إثبات وجود واجب ، اللهم إلا ما يحكى عن بعض الناس ، قال : إن هذا العالم حدث [133] بنفسه ، وكثير من الناس يقولون : [ إن ] هذا [134] لم تقله طائفة معروفة ، وإنما يقدر تقديرا كما تقدر الشبه [135] السوفسطائية ليبحث عنها ، [136] وهذا مما يخطر [137] في قلوب [ ص: 296 ] بعض الناس ، كما يخطر أمثاله من السفسطة ، لا أنه قول معروف لطائفة [ معروفة ] [138] يذبون عنه ، فإن ظهور فساده أبين من أن يحتاج إلى دليل ، إذ حدوث الحوادث بلا محدث من أظهر الأمور امتناعا ، والعلم بذلك من أبين العلوم الضرورية .

                  ثم إنهم لما قرروا واجبا [ بذاته ] [139] أرادوا أن يجعلوه واحدا وحده ، لا يوجد [140] إلا في الأذهان لا في الأعيان ، وهو وجود مطلق بشرط الإطلاق ، ليس له حقيقة [ في الخارج ؛ لأن ] الوجود [141] المطلق بشرط الإطلاق [ لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان ] [142] أو مقيدا [143] بالسلوب والإضافات ، كما يقوله ابن سينا وأتباعه [ وهذا أدخل في التعطيل من الأول ] [144] .

                  وزعموا أن هذا هو محض التوحيد [145] مضاهاة للمعتزلة الذين شاركوهم في نفي الصفات ، وسموا ذلك توحيدا ، فصاروا يتباهون في التعطيل الذي سموه [146] توحيدا أيهم فيه أحذق [147] حتى فروعهم تباهوا بذلك ، [148] [ ص: 297 ] كتباهيهم : كابن سبعين وأمثاله من أتباع الفلاسفة ، وابن التومرت [149] وأمثاله من أتباع الجهمية ، [ فهذا يقول بالوجود المطلق ] [150] وهذا يقول [151] بالوجود المطلق ، وأتباع كل منهما يباهون [ أتباع ] الآخرين [152] في الحذق في هذا التعطيل .

                  كما [ قد ] اجتمع بي [153] طوائف من هؤلاء وخاطبتهم في ذلك وصنفت لهم مصنفات في كشف أسرارهم ومعرفة توحيدهم وبيان فساده ، فإنهم يظنون أن الناس لا يفهمون كلامهم ، فقالوا لي : إن لم [ تبين و ] تكشف [154] لنا [155] حقيقة هذا الكلام الذي قالوه ، ثم تبين فساده وإلا لم [ ص: 298 ] نقبل [156] ما يقال من رده ، فكشفت لهم حقائق مقاصدهم ، فاعترفوا بأن ذلك هو المراد ، ووافقهم على ذلك رءوسهم ، ثم بينت ما في ذلك من الفساد والإلحاد ، حتى رجعوا وصاروا يصنفون في كشف باطل سلفهم الملحدين ، الذين كانوا عندهم أئمة التحقيق والتوحيد ، والعرفان واليقين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية