الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 340 ] فصل

                  قال الرافضي [1] : وذهبت [2] الأشاعرة إلى أن الله يرى [3] بالعين ، مع أنه مجرد من الجهات . وقد قال الله تعالى [4] : لا تدركه الأبصار [ سورة الأنعام : 103 ] وخالفوا الضرورة من أن المدرك [5] بالعين يكون مقابلا أو في حكمه ، وخالفوا جميع العقلاء في ذلك ، وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء مختلفة الألوان لا [6] نشاهدها ، وأصوات [7] هائلة لا نسمعها ، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة ، بحيث تماس [8] أجسامنا أجسامهم [9] ، لا [10] نشاهد صورهم ولا حركاتهم [11] ، ولا نسمع أصواتهم الهائلة ، وأن نشاهد [ ص: 341 ] جسما أصغر الأجسام كالذرة في المشرق ونحن في المغرب ، مع كثرة الحائل بيننا وبينها ، وهذا هو السفسطة [12] .

                  فيقال له : [13] الكلام على هذا من وجوه :

                  أحدها : أن يقال : أما [14] إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة  فهو قول سلف الأمة وأئمتها ، وجماهير المسلمين من أهل المذاهب الأربعة وغيرها . وقد تواترت فيه الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند علماء الحديث ، وجمهور القائلين بالرؤية يقولون : يرى عيانا مواجهة ، كما هو المعروف بالعقل .

                  كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم سترون ربكم - عز وجل [15] - يوم القيامة كما ترون الشمس والقمر [16] لا تضامون في رؤيته . " وفي لفظ [17] : " كما ترون الشمس والقمر صحوا " ، وفي لفظ : " هل تضارون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا . قال : فهل تضارون في رؤية القمر صحوا ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا . قال : فإنكم ترون [18] ربكم كما ترون الشمس والقمر [19] .

                  [ ص: 342 ] وإذا كان كذلك فتقدير أن يكون بعض أهل السنة المثبتين للرؤية [20] أخطأوا في بعض أحكامها ، لم يكن ذلك قدحا في مذهب أهل السنة والجماعة ، فإنا لا ندعي العصمة لكل صنف منهم ، وإنما ندعي أنهم لا يتفقون على ضلالة  ، وأن كل مسألة اختلف فيها أهل السنة والجماعة والرافضة [21] فالصواب فيها مع أهل السنة ، وحيث تصيب الرافضة فلا بد أن يوافقهم على الصواب بعض أهل السنة ، وللروافض خطأ [22] لا يوافقهم أحد عليه من أهل السنة ، وليس للرافضة مسألة واحدة لا يوافقهم فيها أحد انفردوا بها عن جميع أهل السنة والجماعة [23] إلا وهم مخطئون فيها [24] كإمامة الإثني عشر [25] وعصمتهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية