الوجه السابع : [1] كذب منه ، بل كتب أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة والاستدلال بها ، وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الأخرى . وإن قال : أردت قوله : " وأهملوا أقاويل الصحابة " [2] بذلك أنهم لا يقولون : مذهب أبي بكر ونحو ذلك ، فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما استنبطه منها ، فأضيف ذلك إليه ، كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها ، وعمر كالبخاري ومسلم ، وكما تضاف القراءات إلى من اختارها وأبي داود كنافع وابن كثير .
وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم ، وفي قول بعضهم ما ليس منقولا عمن [3] ، قبله لكنه [4] استنبطه من تلك الأصول . ثم قد [5] جاء بعده من تعقب أقواله [6] فبين منها ما كان خطأ عنده [7] ، كل ذلك حفظا لهذا الدين ، حتى يكون أهله كما وصفهم الله به : [ ص: 411 ] ( يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) [ سورة التوبة : 71 ] ، فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أو عمدا أنكره عليه غيره .
وليس العلماء بأكثر من الأنبياء ، وقد قال تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) [ سورة الأنبياء : 78 ، 79 ] .
وثبت في الصحيحين عن [ - رضي الله عنهما - أن ] ابن عمر [8] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [9] لأصحابه عام الخندق : " بني قريظة ; فأدركتهم صلاة العصر [10] في الطريق ، فقال بعضهم : لم يرد منا تفويت الصلاة ، فصلوا في الطريق . وقال بعضهم : لا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس ، فما عنف واحدة [11] من الطائفتين " . لا يصلين أحد العصر إلا في [12] فهذا دليل على أن [ ص: 412 ] المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [13] وليس كل واحد منهم آثما [14] .