قال : الرافضي [2] " وكان ولده علي الرضا [3] أزهد أهل زمانه و [ كان ] أعلمهم [4] وأخذ عنه فقهاء الجمهور كثيرا [5] ، وولاه لعلمه بما هو عليه من الكمال والفضل المأمون [6] . ووعظ يوما أخاه زيدا [7] ، فقال : يا زيد [8] ، ما أنت قائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سفكت الدماء ، وأخذت الأموال من غير حلها ، وأخفت السبل [9] ، وغرك حمقى [10] أهل الكوفة ؟ وقد قال [11] رسول الله [ ص: 59 ] صلى الله عليه وسلم - : إن أحصنت ( * فرجها ، فحرم الله ذريتها على النار * ) فاطمة [12] . [13] [ وفي رواية : إن قال : يا رسول الله ، لم سميت عليا ؟ قال : لأن الله فطمها وذريتها من النار فاطمة ، فلا يكون الإحصان سببا لتحريم ذريتها على النار وأنت تظلم . ] [14] والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله [15] ، فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته ، إنك [16] إذا لأكرم على الله منهم .
وضرب اسمه على الدراهم والدنانير ، وكتب إلى أهل الآفاق المأمون [17] ببيعته [18] وطرح السواد ولبس الخضرة " .
قال : [19] " وقيل لأبي نواس : لم لا تمدح الرضا [20] ؟ فقال :
قيل لي أنت أفضل الناس طرا في المعاني وفي الكلام البديه [ لك من جوهر الكلام بديع
يثمر الدر في يدي مجتنيه [21] ] فلماذا تركت مدح ابن موسى
والخصال التي تجمعن فيه قلت : لا أستطيع مدح إمام
كان جبريل خادما لأبيه
[ ص: 60 ] فيقال : من الحسين انتساب المصائب التي ابتلي بها ولد الرافضة إليهم ، وتعظيمهم [ ومدحهم ] [23] لهم ، فإنهم يمدحونهم بما ليس بمدح ، ويدعون لهم دعاوى لا حجة لها ، ويذكرون من الكلام ما لو لم يعرف فضلهم من غير كلام الرافضة [24] ، لكان ما تذكره الرافضة بالقدح أشبه منه بالمدح ، فإن علي بن موسى له من المحاسن والمكارم المعروفة ، والممادح المناسبة لحاله [25] اللائقة به ، ما يعرفه بها أهل المعرفة . وأما [26] هذا الرافضي فلم يذكر له فضيلة واحدة بحجة .
وأما قوله : " إنه [27] كان أزهد الناس وأعلمهم " فدعوى مجردة بلا دليل ، فكل من غلا في شخص أمكنه أن يدعي له هذه الدعوى ، كيف والناس يعلمون أنه كان في زمانه من هو أعلم منه ، ومن هو أزهد منه [28] ، كالشافعي وإسحاق بن راهويه [29] ، وأحمد بن حنبل ، وأشهب بن عبد العزيز ، وأبي سليمان الداراني ، وأمثال هؤلاء . هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئا ، ولا روي له حديث في الكتب الستة ومعروف الكرخي [30] ، وإنما يروي له : أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخا عن آبائه فيها من الأكاذيب [ ص: 61 ] ما قد [31] نزه الله عنه الصادقين من غير أهل البيت فكيف بالصادقين [32] منهم [33] ؟ ! .
وأما قوله : " إنه أخذ عنه فقهاء الجمهور كثيرا [34] " فهذا من أظهر الكذب . هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو معروف ، وإن أخذ عنه بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر ، فإن طلبة الفقهاء قد يأخذون عن المتوسطين في العلم ، ومن هم دون المتوسطين .
[ وما يذكره بعض الناس من أن كان خادما له ، وأنه [ ص: 62 ] أسلم على يديه ، أو أن الخرقة متصلة منه إليه ، فكله كذب باتفاق من يعرف هذا الشأن ] معروفا الكرخي [35] .
والحديث الذي ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هو كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث فاطمة [36] ، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث [ أيضا ] [37] ، فإن قوله : " إن أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها فاطمة [38] على النار " يقتضي أن إحصان فرجها هو السبب لتحريم ذريتها [ على النار ] [39] وهذا [40] باطل قطعا ، فإن سارة أحصنت فرجها ، ولم يحرم الله جميع [41] ذريتها على النار .
قال تعالى : ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ سورة الصافات : 122 ، 113 ] .
[ ص: 63 ] وقال تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) [ سورة الحديد : 26 ] .
ومن المعلوم [42] أن بني إسرائيل من ذرية سارة [43] والكفار فيهم لا يحصيهم إلا الله . وأيضا عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحصنت فرجها ومن ذريتها فصفية [44] محسن وظالم .
وفي الجملة فاللواتي [45] أحصن فروجهن لا يحصي عددهن إلا الله عز وجل ، ومن ذريتهن البر والفاجر ، والمؤمن والكافر .
وأيضا ففضيلة ومزيتها ليست بمجرد إحصان فرجها فاطمة [46] ، فإن هذا يشارك فيه جمهور فاطمة [47] نساء المؤمنين . لم تكن وفاطمة بهذا الوصف ، بل بما هو أخص منه ، بل هذا من جنس حجج سيدة نساء العالمين الرافضة ، فإنهم لجهلهم لا يحسنون أن يحتجوا [48] ، ولا يحسنون أن يكذبوا [49] كذبا ينفق [50] .
وأيضا فليست ذرية كلهم محرمين على النار ، بل فيهم البر [ ص: 64 ] والفاجر . فاطمة والرافضة تشهد على كثير منهم بالكفر والفسوق [51] وهم أهل السنة منهم المتولون [52] لأبي بكر ، وعمر كزيد بن علي بن الحسين وأمثاله من ذرية [ - رضي الله عنها - ] فاطمة [53] ، فإن الرافضة رفضوا ومن والاه ، وشهدوا عليهم زيد بن علي بن الحسين [54] بالكفر والفسق ، بل الرافضة أشد الناس عداوة إما بالجهل وإما بالعناد لأولاد - رضي الله عنها - . فاطمة
ثم موعظة علي بن موسى لأخيه المذكور تدل على أن ذرية فيهم مطيع وعاص فاطمة [55] وأنهم إنما بلغوا كرامة الله بطاعته ، وهذا قدر مشترك بين جميع الخلق ، فمن أطاع الله أكرمه الله ، ومن عصى الله كان مستحقا لإهانة الله ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة .
وأما ما ذكره من تولية له الخلافة ، فهذا صحيح . لكن [ ذلك ] لم يتم ، [ بل ] استمر ذلك إلى أن مات المأمون [56] علي بن موسى ، ولم يجعله ولي عهده [57] . وهم يزعمون أنه قتله بالسم ، فإن كان فعل الأول [ ص: 65 ] حجة ، كان فعله الثاني حجة ، وإن لم يكن حجة لم يصلح أن يذكر مثل هذا في مناقب المأمون علي بن موسى الرضا ، ولكن القوم جهال بحقيقة المناقب والمثالب ، والطرق التي يعلم بها ذلك [58] .
ولهذا يستشهدون بأبيات أبي نواس ، وهي لو كانت صدقا لم تصلح أن تثبت فصائل شخص بشهادة شاعر معروف بالكذب والفجور الزائد الذي لا يخفى على من له أدنى خبرة بأيام الناس ، فكيف والكلام الذي ذكره فاسد ؟ ! فإنه قال : - قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادما لأبيه
ومن المعلوم أن هذا وصف مشترك بين ( * جميع من كان من ذرية الرسل ، وجميع ذرية علي يشاركونه في هذا ، فأي مزية [59] له في هذا حتى يكون بها إماما دون أمثاله المشاركين له في هذا الوصف ؟ ! ثم هذا يقتضي أنه لا يمدح أحدا * ) [60] من ذرية أصلا ، لأن هذا الوصف مشترك [ بينهم ، ثم كون الرجل علي [61] من ذرية الأنبياء قدر مشترك ] [62] بين الناس [ فإن الناس ] [63] [ ص: 66 ] كلهم من ذرية نوح [ عليه السلام ] [64] ، ومن ذرية آدم ، وبنو إسرائيل : يهوديهم وغير يهوديهم من ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب .
وأيضا فتسمية جبريل رسول الله [ إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ] [65] خادما له [66] عبارة من لا يعرف قدر الملائكة ، وقدر إرسال الله لهم إلى الأنبياء . ولكن الرافضة غالب حججهم أشعار تليق بجهلهم وظلمهم ، وحكايات مكذوبة تليق بجهلهم وكذبهم ، وما يثبت أصول [67] الدين بمثل هذه [68] الأشعار ، إلا من ليس معدودا من أولي [69] الأبصار .