الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل [1] .

                  قال الرافضي [2] : " وكان ولده علي الهادي [3] ، ويقال له : العسكري ، لأن المتوكل أشخصه من المدينة إلى بغداد ، ثم منها إلى سر من رأى ، فأقام بموضع عندها [4] يقال له : العسكر ، ثم انتقل إلى سر من رأى فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ، وإنما [ ص: 76 ] أشخصه المتوكل ، لأنه كان يبغض عليا - رضي الله عنه - [5] ، فبلغه مقام علي بالمدينة [6] ، وميل الناس إليه ، فخاف منه ، فدعا يحيى بن هبيرة وأمره بإحضاره [7] ، فضج أهل المدينة لذلك خوفا عليه ، لأنه كان [8] محسنا إليهم ، ملازما للعبادة [9] في المسجد ، فحلف يحيى أنه لا مكروه عليه [10] ، ثم فتش منزله فلم يجد فيه سوى [11] مصاحف وأدعية [12] وكتب العلم ، فعظم في عينه ، وتولى خدمته بنفسه ، فلما قدم بغداد بدأ بإسحاق [13] بن إبراهيم [ الطائي ] [14] والي بغداد . فقال له : يا يحيى هذا الرجل قد ولده [15] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والمتوكل من تعلم ، فإن حرضته [16] عليه قتله ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 77 ] خصمك يوم القيامة ، فقال له يحيى : والله ما وقعت [17] منه إلا على خير ، قال : فلما دخلت على المتوكل أخبرته بحسن سيرته وورعه وزهده ، فأكرمه المتوكل ، ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفي تصدق بدراهم كثيرة ، فسأل الفقهاء [ عن ذلك ] [18] فلم يجد عندهم جوابا ، فبعث إلى علي الهادي [19] ، فسأله [20] فقال : تصدق بثلاثة وثمانين درهما ، فسأله المتوكل عن السبب ، فقال : لقوله تعالى : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) [ سورة التوبة : 25 ] ، وكانت المواطن هذه الجملة [21] ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا سبعا وعشرين غزاة [22] وبعث ستا وخمسين سرية . قال المسعودي [23] : نمي [24] إلى المتوكل بعلي بن محمد [25] أن في منزله سلاحا من شيعته من أهل قم ، وأنه عازم على الملك [26] ، فبعث إليه جماعة من [ ص: 78 ] الأتراك ، فهجموا داره [27] ليلا فلم يجدوا فيها شيئا ، ووجدوه في بيت مغلق عليه [28] وهو يقرأ [29] وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى متوجها إلى الله تعالى يتلو [30] القرآن ، فحمل على حالته تلك إلى المتوكل ، فأدخل عليه [31] وهو في مجلس الشراب ، والكأس في يد المتوكل ، فعظمه وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس ، فقال : والله [32] ما خامر لحمي ودمي قط [33] فأعفني ، فأعفاه [34] وقال له : أسمعني صوتا ، فقال [35] : ( كم تركوا من جنات وعيون ) الآيات [ سورة الدخان : 25 ] فقال : أنشدني شعرا ، فقال : إني قليل الرواية للشعر ، فقال : لا بد من ذلك ، فأنشده : باتوا على قلل الأجبال [36] تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم [37] القلل [ ص: 79 ]

                  واستنزلوا بعد عز من [38] معاقلهم وأسكنوا [39] حفرا يا بئس ما نزلوا     ناداهم صارخ [40] من بعد دفنهم
                  أين الأسرة [41] والتيجان والحلل     أين الوجوه التي كانت منعمة
                  من دونها تضرب الأستار والكلل     فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
                  [42] تلك الوجوه عليها الدود يقتتل [43] قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا [44]     فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

                  .

                  فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته " .

                  فيقال : هذا الكلام من جنس ما قبله ، لم يذكر منقبة بحجة صحيحة ، بل ذكر ما يعلم العلماء أنه من الباطل [45] ، فإنه ذكر في الحكاية أن والي بغداد كان إسحاق بن إبراهيم الطائي ، وهذا من جهله [46] ، فإن إسحاق بن إبراهيم هذا خزاعي معروف هو وأهل بيته ، كانوا من خزاعة ، فإنه [47] إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب ، وابن عمه عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أمير خراسان المشهور المعلومة [48] سيرته ، وابن هذا محمد بن عبد الله بن طاهر كان نائبا على بغداد في خلافة [ ص: 80 ] المتوكل وغيره ، وهو الذي صلى على أحمد بن حنبل لما مات ، وإسحاق [ بن إبراهيم ] [49] هذا كان نائبا لهم في إمارة المعتصم والواثق وبعض أيام المتوكل ، وهؤلاء كلهم من خزاعة ليسوا من طيئ ، وهم [ أهل ] [50] بيت مشهورون [51] .

                  وأما الفتيا التي ذكرها من أن المتوكل نذر إن عوفي يتصدق [52] بدراهم كثيرة ، وأنه سأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جوابا ، وأن علي بن محمد أمره أن يتصدق بثلاثة وثمانين درهما ، لقوله تعالى : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) ،

                  [ سورة التوبة : 25 ] ، وأن المواطن كانت [ هذه الجملة ، فإن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غزا ] [53] سبعا وعشرين غزاة [54] ، و [ بعث ] ستا [55] وخمسين سرية ، فهذه الحكاية أيضا تحكى عن [ ص: 81 ] علي بن موسى مع المأمون ، وهي دائرة بين أمرين : إما أن تكون كذبا ، وإما أن تكون جهلا ممن أفتى بذلك .

                  فإن قول القائل : له علي دراهم كثيرة ، أو والله لأعطين فلانا دراهم كثيرة ، أو لأتصدقن بدراهم كثيرة ، لا يحمل على ثلاث وثمانين عند أحد من علماء المسلمين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية