( فصل ) [1]
ثم إنه يمكن تحرير [2] هذا الدليل بطريق التقسيم على كل تقدير تقوله طائفة من طوائف المسلمين .
مثل أن يقال [3] : [ إن ] [4] . الحوادث إما أن يمتنع دوامها ، ويجب أن يكون لها ابتداء ، وإما أن لا يمتنع دوامها ، بل يجوز حوادث لا أول لها
فإن كان الأول : لزم وجود الحوادث عن القديم الواجب الوجود بنفسه من غير حدوث شيء من الأشياء ، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام [ ص: 188 ] سواء قالوا [5] : إنها تصدر عن القادر [6] المختار ، ولم يثبتوا له إرادة قديمة ، كما تقوله المعتزلة والجهمية ، أو قالوا : إنها تصدر عن القادر المختار المريد بإرادة قديمة أزلية ، كما تقوله الكلابية والأشعرية والكرامية .
وعلى هذا القول فيمتنع قدم شيء من العالم ، ( 3 فإنه ما من شيء من العالم 3 ) [7] إلا . وهو مقرون بالحوادث لم يسبقها سواء جعل كل [8] ذلك جسما ، أو قيل : إن هناك عقولا ونفوسا ليست أجساما ، فإنه لا ريب أنها مقارنة للحوادث ، فإنها ( * فاعلة [9] مستلزمة لها ، فإذا امتنع وجود حوادث لا أول لها امتنع أن يكون للحوادث * ) [10] علة مستلزمة لها سواء كانت ممكنة أو واجبة ، وعلى هذا التقدير فالإرادة القديمة لا تستلزم وجود المراد معها لكن يجب وجود المراد في الوقت المتأخر عن الإرادة .
وإن قيل : إنه يمكن دوام الحوادث ، وأن لا يكون لها ابتداء .
فيقال : على هذا التقدير يمتنع أن يكون شيء من العالم قديما أزليا لا الأفلاك ولا العقول ولا النفوس ولا المواد [11] العنصرية ولا الجواهر المفردة [12] ، ولا غير ذلك ; لأن كل ما كان قديما من العالم أزليا ، فلا بد أن [ ص: 189 ] يكون فاعله موجبا له بالذات سواء سمي علة تامة ، أو مرجحا تاما ، أو سمي قادرا مختارا .
لكن وجود الموجب بالذات . [ في الأزل ] [13] محال ; لأنه يستلزم أن يكون موجبه ومقتضاه أزليا ، وهذا ممتنع لوجوه :
منها : أن المفعول المعين [ للفاعل ] [14] يمتنع أن يكون مقارنا له في الزمان أزليا معه ، لا سيما إذا اعتبر مع ذلك أن يكون فاعلا بإرادته وقدرته ، فإن مقارنة مقدوره المعين له بحيث يكون أزليا معه محال ، بل هذا [ محال ] [15] ممتنع فيما يقدر قائما به ، فإنه يمتنع كونه [16] مرادا أزليا ، فلأن يكون ممتنعا فيما هو منفصل عنه بطريق الأولى .
ومنها : أنه إذا قدر علة تامة موجبا بذاته لزم أن يقارنه معلوله مطلقا ، فيكون كل شيء من العالم أزليا ، وهذا محال خلاف المشاهدة وإجماع العقلاء .