الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) [1]

                  ثم إنه يمكن تحرير [2] هذا الدليل بطريق التقسيم على كل تقدير تقوله طائفة من طوائف المسلمين .

                  مثل أن يقال [3] : [ إن ] [4] الحوادث إما أن يمتنع دوامها ، ويجب أن يكون لها ابتداء ، وإما أن لا يمتنع دوامها ، بل يجوز حوادث لا أول لها .

                  فإن كان الأول : لزم وجود الحوادث عن القديم الواجب الوجود بنفسه من غير حدوث شيء من الأشياء ، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام [ ص: 188 ] سواء قالوا [5] : إنها تصدر عن القادر [6] المختار ، ولم يثبتوا له إرادة قديمة ، كما تقوله المعتزلة والجهمية ، أو قالوا : إنها تصدر عن القادر المختار المريد بإرادة قديمة أزلية ، كما تقوله الكلابية والأشعرية والكرامية .

                  وعلى هذا القول فيمتنع قدم شيء من العالم ، ( 3 فإنه ما من شيء من العالم 3 ) [7] إلا . وهو مقرون بالحوادث لم يسبقها سواء جعل كل [8] ذلك جسما ، أو قيل : إن هناك عقولا ونفوسا ليست أجساما ، فإنه لا ريب أنها مقارنة للحوادث ، فإنها ( * فاعلة [9] مستلزمة لها ، فإذا امتنع وجود حوادث لا أول لها امتنع أن يكون للحوادث * ) [10] علة مستلزمة لها سواء كانت ممكنة أو واجبة ، وعلى هذا التقدير فالإرادة القديمة لا تستلزم وجود المراد معها لكن يجب وجود المراد في الوقت المتأخر عن الإرادة .

                  وإن قيل : إنه يمكن دوام الحوادث ، وأن لا يكون لها ابتداء .

                  فيقال : على هذا التقدير يمتنع أن يكون شيء من العالم قديما أزليا لا الأفلاك ولا العقول ولا النفوس ولا المواد [11] العنصرية ولا الجواهر المفردة [12] ، ولا غير ذلك ; لأن كل ما كان قديما من العالم أزليا ، فلا بد أن [ ص: 189 ] يكون فاعله موجبا له بالذات سواء سمي علة تامة ، أو مرجحا تاما ، أو سمي قادرا مختارا .

                  لكن وجود الموجب بالذات . [ في الأزل ] [13] محال ; لأنه يستلزم أن يكون موجبه ومقتضاه أزليا ، وهذا ممتنع لوجوه :

                  منها : أن المفعول المعين [ للفاعل ] [14] يمتنع أن يكون مقارنا له في الزمان أزليا معه ، لا سيما إذا اعتبر مع ذلك أن يكون فاعلا بإرادته وقدرته ، فإن مقارنة مقدوره المعين له بحيث يكون أزليا معه محال ، بل هذا [ محال ] [15] ممتنع فيما يقدر قائما به ، فإنه يمتنع كونه [16] مرادا أزليا ، فلأن يكون ممتنعا فيما هو منفصل عنه بطريق الأولى .

                  ومنها : أنه إذا قدر علة تامة موجبا بذاته لزم أن يقارنه معلوله مطلقا ، فيكون كل شيء من العالم أزليا ، وهذا محال خلاف المشاهدة وإجماع العقلاء .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية