الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 222 ] الوجه الثاني عشر : أن قوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] ، وقوله تعالى [ عن زكريا ] [1] : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ سورة مريم : 5 ، 6 ] ، لا يدل على محل النزاع ؛ لأن الإرث اسم جنس تحته أنواع ، والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز . فإذا قيل : هذا حيوان ، لا يدل على أنه إنسان أو فرس أو بعير . وذلك أن لفظ " الإرث " [2] يستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال . قال تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) [ سورة فاطر : 32 ] .

                  وقال تعالى : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ سورة المؤمنون : 10 ، 11 ] . وقال تعالى : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ سورة الزخرف : 72 ] .

                  وقال تعالى : ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ) [ سورة الأحزاب : 27 ] .

                  وقال تعالى : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ سورة الأعراف : 128 ] .

                  وقال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) [ سورة الأعراف : 137 ] .

                  [ ص: 223 ] وقال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ سورة الأنبياء : 105 ] .

                  وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم  ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود وغيره [3] .

                  وهكذا لفظ " الخلافة " ولهذا يقال : الوارث خليفة الميت ، أي خلفه فيما تركه . والخلافة قد تكون في المال ، وقد تكون في الملك ، وقد تكون في العلم ، وغير ذلك .

                  وإذا كان كذلك فقوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] ، وقوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ سورة مريم : 6 ] إنما يدل على جنس الإرث ، لا يدل على إرث المال . فاستدلال المستدل بهذا الكلام على خصوص إرث المال جهل منه بوجه الدلالة ، كما لو قيل : هذا خليفة هذا ، وقد خلفه - كان دالا على خلافة مطلقة ، لم يكن فيها ما يدل على [ ص: 224 ] أنه خلفه في ماله أو امرأته أو ملكه أو غير ذلك من الأمور .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية