[ ص: 222 ] الوجه الثاني عشر : أن قوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] ، وقوله تعالى [ عن زكريا ] [1] : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ سورة مريم : 5 ، 6 ] ، لا يدل على محل النزاع ؛ لأن الإرث اسم جنس تحته أنواع ، والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز . فإذا قيل : هذا حيوان ، لا يدل على أنه إنسان أو فرس أو بعير . وذلك أن لفظ " الإرث " [2] يستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال . قال تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) [ سورة فاطر : 32 ] .
وقال تعالى : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ سورة المؤمنون : 10 ، 11 ] . وقال تعالى : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ سورة الزخرف : 72 ] .
وقال تعالى : ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ) [ سورة الأحزاب : 27 ] .
وقال تعالى : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ سورة الأعراف : 128 ] .
وقال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) [ سورة الأعراف : 137 ] .
[ ص: 223 ] وقال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ سورة الأنبياء : 105 ] .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم " رواه وغيره أبو داود [3] .
وهكذا لفظ " الخلافة " ولهذا يقال : الوارث خليفة الميت ، أي خلفه فيما تركه . والخلافة قد تكون في المال ، وقد تكون في الملك ، وقد تكون في العلم ، وغير ذلك .
وإذا كان كذلك فقوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] ، وقوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ سورة مريم : 6 ] إنما يدل على جنس الإرث ، لا يدل على إرث المال . فاستدلال المستدل بهذا الكلام على خصوص إرث المال جهل منه بوجه الدلالة ، كما لو قيل : هذا خليفة هذا ، وقد خلفه - كان دالا على خلافة مطلقة ، لم يكن فيها ما يدل على [ ص: 224 ] أنه خلفه في ماله أو امرأته أو ملكه أو غير ذلك من الأمور .