وكلا القولين في غاية الفساد ، وأما ، وقد وقعوا فيما فروا منه ، وهو حدوث محبة النفس للهيولي ، فيقال لهم : ما الموجب لذلك ؟ فقد لزمهم حدوث حادث بلا سبب ، ولزمهم ما هو أشنع من ذلك ، وهو حدوث الحوادث بدون صدورها عن رب العالمين والقول بقدماء معه . الأولون فيقولون : إن النفس عشقت الهيولي ، فعجز الرب عن تخليصها من الهيولي حتى تذوق وبال اجتماعها بالهيولي ، وهم قالوا هذا فرارا من حدوث حادث بلا سبب
فإن قالوا بوجوب [1] وجودها لزم كون واجب الوجود مستحيلا موصوفا بما يستلزم حدوثه ونقصه وإمكانه .
وإن لم تكن واجبة بأنفسها ، بل به لزم أن يكون موجبا لها دون غيرها ، والعلة القديمة تستلزم معلولها ، فيلزم من ذلك تغير [2] معلولها ، واستحالته من حال إلى حال بدون فعل منها ، واستحالة [3] المعلول اللازم بدون تغير في العلة محال ، وإلا لم يكن معلولا لها ، وإن جوزوا ذلك ، فليجوزوا كون العالم قديما أزليا لازما لذات الرب ، وهو مع هذا [4] ينتقض ، وتنشق السماء ، وتنفطر ، وتقوم القيامة بدون فعل من الرب ولا حدوث شيء منه أصلا . بل بمجرد حدوث حادث في العالم بلا محدث .
[ ص: 211 ] . وإن قالوا : هو بغض النفس للهيولي كان من جنس قولهم : إن سبب حدوثه محبة النفس للهيولي ، فإذا جاز أن يحدث بمحبة النفس بدون اختيار الرب تعالى جاز أن ينتقض ببغض النفس بدون اختيار الرب .