والجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33723القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء
[1] وغيرهم ،
ويزيد خير من غيره : خير من
nindex.php?page=showalam&ids=8494المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير
العراق ، الذي أظهر الانتقام من قتلة
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين ; فإن هذا ادعى أن
جبريل يأتيه . وخير من
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف ; فإنه أظلم من
يزيد باتفاق الناس .
ومع هذا فيقال : غاية
يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقا ، فلعنة الفاسق المعين ليست مأمورا بها ، إنما جاءت السنة بلعنة
[2] الأنواع ، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=656285لعن الله السارق ; يسرق البيضة فتقطع [ ص: 568 ] يده "
[3] . وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651737لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا "
[4] . وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682139لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه "
[5] . وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673701لعن الله المحلل والمحلل له "
[6] ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675112لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها ، وحاملها والمحمولة إليه ، [ ص: 569 ] وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها "
[7] .
وقد تنازع الناس في
nindex.php?page=treesubj&link=19062لعنة الفاسق المعين . فقيل : إنه جائز ، كما قال ذلك طائفة من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيرهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=11890كأبي الفرج بن الجوزي وغيره . وقيل : إنه لا يجوز ، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيرهم ،
كأبي بكر عبد العزيز وغيره . والمعروف عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كراهة
[8] لعن المعين ،
كالحجاج بن يوسف وأمثاله ، وأن يقول كما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18ألا لعنة الله على الظالمين ) [ سورة هود : 18 ] وقد ثبت في [ صحيح ]
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [9] nindex.php?page=hadith&LINKID=656282أن رجلا كان يدعى حمارا
[10] ، وكان يشرب الخمر ، وكان يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضربه ، فأتي به إليه مرة ، فقال رجل : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تلعنه ، فإنه يحب الله ورسوله "
[11] .
فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معللا ذلك بأنه يحب الله ورسوله ، مع أنه - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 570 ] لعن شارب الخمر مطلقا ، فدل ذلك على أنه [ يجوز أن ]
[12] يلعن المطلق ولا تجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله .
[ ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد
[13] أن يحب الله ورسوله ]
[14] ، ولكن في المظهرين للإسلام من هم منافقون ، فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله ، ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ سورة التوبة : 84 ] .
ومن جوز [ من أهل السنة والجماعة ]
[15] لعنة الفاسق المعين
[16] ; فإنه يقول يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه ، فإنه مستحق للثواب [ مستحق للعقاب ]
[17] ، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب ، واللعنة له لاستحقاقه العقاب
[18] . واللعنة البعد عن الرحمة ، والصلاة عليه سبب للرحمة ، فيرحم من وجه ، ويبعد عنها من وجه .
وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وسائر أهل السنة والجماعة ، ومن يدخل فيهم من
الكرامية والمرجئة والشيعة ، ومذهب كثير من
الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28652الفاسق لا يخلد في [ ص: 571 ] النار . وأما من يقول بتخليده في النار
كالخوارج [19] والمعتزلة وبعض
الشيعة ، فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب .
وقد استفاضت السنن النبوية بأنه يخرج من النار قوم بالشفاعة ، ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان . وعلى هذا الأصل فالذي يجوز لعنة
يزيد [ وأمثاله ]
[20] يحتاج إلى شيئين : إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين تباح لعنتهم ، [ وأنه مات مصرا على ذلك ]
[21] . والثاني : أن لعنة المعين من هؤلاء جائزة . والمنازع يطعن في المقدمتين ، لا سيما الأولى .
فأما قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18ألا لعنة الله على الظالمين ) [ سورة هود : 18 ] فهي آية عامة كآيات الوعيد ، بمنزلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ سورة النساء : 10 ] وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح : إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفرة . فمن أين يعلم الإنسان أن
يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه
[22] ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمه ؟ ولم يبتل بمصائب تكفر عنه ؟ [ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى ]
[23] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ سورة النساء : 48 ] . وقد ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [24] [ ص: 572 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652707nindex.php?page=treesubj&link=33723_33744أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم "
[25] وأول جيش غزاها كان أميرهم
يزيد ، والجيش عدد معين لا مطلق ، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين ، فإن هذا أخص ، والجيش معينون .
ويقال : إن
يزيد إنما غزا
القسطنطينية لأجل هذا الحديث . ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم ، فإن فتح هذا الباب ساغ
[26] أن يلعن أكثر موتى المسلمين . والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين ، لم يأمر بلعنتهم
[27] .
ثم الكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=19073لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي ; فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651306لا تسبوا الأموات [ ص: 573 ] فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا "
[28] . حتى أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=683443لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا "
[29] لما كان قوم يسبون
أبا جهل ونحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم ، فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته .
وأما ما نقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فالمنصوص الثابت عنه من رواية
صالح أنه قال : " ومتى رأيت أباك يلعن أحدا ؟ [ لما قيل له : ألا تلعن
يزيد ؟ فقال : ومتى رأيت أباك يلعن أحدا ؟ ]
[30] وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج ونحوه من الظلمة وأراد أن يلعن يقول
[31] :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18ألا لعنة الله على الظالمين ، وكره أن
nindex.php?page=treesubj&link=29648يلعن المعين باسمه .
ونقلت عنه رواية في لعنة
يزيد وأنه قال : ألا ألعن من لعنه الله ، واستدل بالآية ، لكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه ، والآية لا تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=29648لعن المعين ، ولو كان كل ذنب لعن
[32] فاعله ، يلعن المعين الذي فعله ؛ للعن جمهور
[ ص: 574 ] الناس . وهذا بمنزلة الوعيد المطلق ، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه ، وهكذا اللعن . وهذا بتقدير أن يكون
يزيد فعل ما يقطع به الرحم .
ثم إن هذا تحقق في كثير من
بني هاشم الذين تقاتلوا من
العباسيين والطالبيين ، فهل يلعن هؤلاء كلهم ؟ وكذلك من ظلم قرابة له لا سيما وبينه وبينه عدة آباء ، أيلعنه بعينه ؟ ثم إذا لعن هؤلاء لعن كل من شمله ألفاظه ، وحينئذ فيلعن جمهور المسلمين .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) [ سورة محمد : 23،22 ] وعيد عام في حق كل من فعل ذلك ، وقد فعل
بنو هاشم بعضهم ببعض أعظم مما فعل
يزيد .
فإن قيل بموجب هذا لعن
[33] ما شاء الله من
بني هاشم :
العلويين والعباسيين وغيرهم من المؤمنين .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33723الْقَوْلَ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ كَالْقَوْلِ فِي لَعْنَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ الْخُلَفَاءِ
[1] وَغَيْرِهِمْ ،
وَيَزِيدُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ : خَيْرٌ مِنَ
nindex.php?page=showalam&ids=8494الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَمِيرِ
الْعِرَاقِ ، الَّذِي أَظْهَرَ الِانْتِقَامَ مِنْ قَتَلَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ ; فَإِنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ
جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ . وَخَيْرٌ مِنَ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ أَظْلَمُ مِنْ
يَزِيدَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ .
وَمَعَ هَذَا فَيُقَالُ : غَايَةُ
يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَكُونُوا فُسَّاقًا ، فَلَعْنَةُ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَتْ مَأْمُورًا بِهَا ، إِنَّمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِلَعْنَةِ
[2] الْأَنْوَاعِ ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=656285لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ; يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ [ ص: 568 ] يَدُهُ "
[3] . وَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651737لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا "
[4] . وَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682139لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ "
[5] . وَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673701لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ "
[6] ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675112لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ، [ ص: 569 ] وَسَاقِيَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا "
[7] .
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19062لَعْنَةِ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ . فَقِيلَ : إِنَّهُ جَائِزٌ ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11890كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ،
كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ كَرَاهَةُ
[8] لَعْنِ الْمُعَيَّنِ ،
كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ ، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ سُورَةُ هُودٍ : 18 ] وَقَدْ ثَبَتَ فِي [ صَحِيحِ ]
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ [9] nindex.php?page=hadith&LINKID=656282أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا
[10] ، وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضْرِبُهُ ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَا تَلْعَنْهُ ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ "
[11] .
فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَعْنَةِ هَذَا الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[ ص: 570 ] لَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ مُطْلَقًا ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ [ يَجُوزُ أَنْ ]
[12] يُلْعَنَ الْمُطْلَقُ وَلَا تَجُوزُ لَعْنَةُ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
[ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَلَا بُدَّ
[13] أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ]
[14] ، وَلَكِنْ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ مَنْ هُمْ مُنَافِقُونَ ، فَأُولَئِكَ مَلْعُونُونَ لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ عَلِمَ حَالَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=84وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 84 ] .
وَمَنْ جَوَّزَ [ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ]
[15] لَعْنَةَ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ
[16] ; فَإِنَّهُ يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَأَنْ أَلْعَنَهُ ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ [ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ ]
[17] ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الثَّوَابَ ، وَاللَّعْنَةُ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِقَابَ
[18] . وَاللَّعْنَةُ الْبُعْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ سَبَبٌ لِلرَّحْمَةِ ، فَيُرْحَمُ مِنْ وَجْهٍ ، وَيُبْعَدُ عَنْهَا مِنْ وَجْهٍ .
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ مِنَ
الْكَرَامِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ ، وَمَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنَ
الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28652الْفَاسِقَ لَا يَخْلُدُ فِي [ ص: 571 ] النَّارِ . وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ
كَالْخَوَارِجِ [19] وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ
الشِّيعَةِ ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ لَا يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ .
وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بِالشَّفَاعَةِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ . وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَالَّذِي يُجَوِّزُ لَعْنَةَ
يَزِيدَ [ وَأَمْثَالِهِ ]
[20] يَحْتَاجُ إِلَى شَيْئَيْنِ : إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُسَّاقِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ تُبَاحُ لَعْنَتُهُمْ ، [ وَأَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ ]
[21] . وَالثَّانِي : أَنَّ لَعْنَةَ الْمُعَيَّنِ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ . وَالْمُنَازِعُ يَطْعَنُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ ، لَا سِيَّمَا الْأُولَى .
فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ سُورَةُ هُودٍ : 18 ] فَهِيَ آيَةٌ عَامَّةٌ كَآيَاتِ الْوَعِيدِ ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 10 ] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ سَبَبُ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ ، لَكِنْ قَدْ يَرْتَفِعُ مُوجِبُهُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ : إِمَّا تَوْبَةٍ ، وَإِمَّا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ ، وَإِمَّا مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ . فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ
يَزِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَذِهِ
[22] ؟ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَاحِيَةٌ تَمْحُو ظُلْمَهُ ؟ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ ؟ [ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى ]
[23] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 48 ] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ [24] [ ص: 572 ] عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652707nindex.php?page=treesubj&link=33723_33744أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ "
[25] وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ
يَزِيدَ ، وَالْجَيْشُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لَا مُطْلَقٌ ، وَشُمُولُ الْمَغْفِرَةِ لِآحَادِ هَذَا الْجَيْشِ أَقْوَى مِنْ شُمُولِ اللَّعْنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّ هَذَا أَخَصُّ ، وَالْجَيْشُ مُعَيَّنُونَ .
وَيُقَالُ : إِنَّ
يَزِيدَ إِنَّمَا غَزَا
الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ . وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ظُلْمٍ ، فَإِنْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ سَاغَ
[26] أَنْ يُلْعَنَ أَكْثَرُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يَأْمُرْ بِلَعْنَتِهِمْ
[27] .
ثُمَّ الْكَلَامُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19073لَعْنَةِ الْأَمْوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ لَعْنَةِ الْحَيِّ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651306لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ [ ص: 573 ] فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا "
[28] . حَتَّى أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=683443لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا "
[29] لَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَسُبُّونَ
أَبَا جَهْلٍ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَسْلَمَ أَقَارِبُهُمْ ، فَإِذَا سَبُّوا ذَلِكَ آذَوْا قَرَابَتَهُ .
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ ، فَالْمَنْصُوصُ الثَّابِتُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ
صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ : " وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا ؟ [ لَمَّا قِيلَ لَهُ : أَلَا تَلْعَنُ
يَزِيدَ ؟ فَقَالَ : وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا ؟ ]
[30] وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجَ وَنَحْوَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ وَأَرَادَ أَنَ يَلْعَنَ يَقُولُ
[31] :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ، وَكَرِهَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29648يُلْعَنَ الْمُعَيَّنُ بِاسْمِهِ .
وَنُقِلَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي لَعْنَةِ
يَزِيدَ وَأَنَّهُ قَالَ : أَلَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ ، لَكِنَّهَا رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عَنْهُ ، وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29648لَعْنِ الْمُعَيَّنِ ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ ذَنْبٍ لُعِنَ
[32] فَاعِلُهُ ، يُلْعَنُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي فَعَلَهُ ؛ لَلُعِنَ جُمْهُورُ
[ ص: 574 ] النَّاسِ . وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَعِيدِ الْمُطْلَقِ ، لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ ، وَهَكَذَا اللَّعْنُ . وَهَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ
يَزِيدُ فَعَلَ مَا يُقْطَعُ بِهِ الرَّحِمُ .
ثُمَّ إِنَّ هَذَا تَحَقَّقَ فِي كَثِيرٍ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ تَقَاتَلُوا مِنَ
الْعَبَّاسِيِّينَ وَالطَّالِبِيِّينَ ، فَهَلْ يُلْعَنُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ ظَلَمَ قَرَابَةً لَهُ لَا سِيَّمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِدَّةُ آبَاءٍ ، أَيَلْعَنُهُ بِعَيْنِهِ ؟ ثُمَّ إِذَا لُعِنَ هَؤُلَاءِ لُعِنَ كُلُّ مَنْ شَمِلَهُ أَلْفَاظُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيُلْعَنُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=22فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=23أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [ سُورَةُ مُحَمَّدٍ : 23،22 ] وَعِيدٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَقَدْ فَعَلَ
بَنُو هَاشِمٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ
يَزِيدُ .
فَإِنْ قِيلَ بِمُوجِبِ هَذَا لُعِنَ
[33] مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ :
الْعَلَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .